الصّمتُ أحلى يقولُ المستوحِدون
لا أعرفُ كيفَ يقولُ النّاس ما بهم. كيفَ يجدونَ مفرداتٍ على قياسهم. تعوّدتُ على السّكوت حتّى كادَ فمي يختفي. أمّي تقولُ إنّني لمْ أنطِق كلمةً حتّى بلغْتُ الرّابعة، وبعدها، تكلّمتُ دفعةً واحدة.
لا أعرفُ كيفَ أفسّرُ لكلّ هؤلاء، أنّني غيرُ راغبٍ في قول شيء. ليس لديَّ أقوال أخرى. كيف أشرح ذلك بلا عناء. الصمتُ أحلى يقولُ المستوحدونَ. الصّمتُ أحلى يقولُ الراحلونَ بلا كلمات أخيرة.
لا أريدُ أنْ أحكي. يدكِ الّتي تشدّين بها على أصابعي إذ نتصافح، لا تحتاجُ إلى الشرح. هكذا أفهم أكثر. أعرفُ كلَّ ما تريدينَ قولهُ في الثّواني القليلة الّتي تتشابكُ فيها أيدينا.
يدُكِ الضئيلةُ حديثٌ طويلْ.
خوف
"أخاف"
يقولُ أنسي الحاج،
"أخاف" وتنتهي الجملة بلا أيّة تتمة.
...
ليسَ للخوفِ تتمة أو شرح
الخوفُ هو الخوفُ لا يخبو ولا ينطفئ.
...
اعتقدت لوقتٍ طويلٍ بأنّني خسرتُ خوفي. لستُ شُجاعًا بما يكفي لأنهض، ولست خائفًا بما يكفي لأقع وأستسلم.
أنا في الفراغِ الفاصلِ بينهما. ذلكَ الخدرُ الّذي نسميهِ فراغًا، يجعلنا نقبل الحياةَ بأقلّ ألمٍ ممكن.
أنا مثلكَ يا أنسي، أخاف الغرفَ المغلقةَ، الأنابيبَ التي تقطِّرُ الهواءَ بمشقّة في الرّئتين.
أخافُ أن يلوّح لي أهلي من وراء الزجاج دونَ أن أتمكن من الغوص في أحضانهم.
وأخاف، أكثر ما أخاف، أن أكون أنا الواقف خلف الزجاج، سليمًا معافًى.
رئتايَ ضعيفتان، يدايَ أيضًا. لا أريدُ أن ألوّحَ لأحدْ.
قراءةُ الكفّ
يبدأ الحبُّ من اليدين
من مكانٍ ما هناك
يؤدّي إلى القلبِ
من عقدةٍ في منتصفِ الأصابعْ
تجعلُ الجمالَ ممكنًا
واللمسَ احتمالًا للحياة.
يبدأ الحبُّ من الكسرِ الغائر
حيث يتجمّعُ الألمْ،
يبدأ من أعلى الرأسِ
نزولًا إلى الكتفين
ليصيرَ الانحناءُ سهلًا في النّهاية،
ينتهي الحبُّ بنقطةٍ ما
في أسفلِ الصّدر،
قادرةٍ على ذرفِ الدّموع
لأسبابٍ تافهة
ينتهي الحبُّ بصوتٍ حاسمٍ
كصافرة النهاية.