خيّم الحزن في الآونة الأخيرة على السينما الأمريكية والعالمية بعد انتشار خبر إصابة النجم العالمي بروس ويليس بمرض نادر وخطيريُعرف باسم "الخرف الجبهي الصدغي"، الذي يفقد المصاب به القدرة على التواصل وفهم الكلام والتعبير والتواصل اللغوي. مصير حزين لممثل ملأ حياة محبيه بالإثارة والتشويق، وألهم الملايين من عشاق أفلام الحركة حول العالم.
وعلى الرغم من أن أفلام الحركة هي التي صنعت شهرته حول العالم، وأنه يُعد من أكثر ممثلي الحركة تحقيقًا للإيرادات أيضًا، حيث تجاوزت عائدات أفلامه في العقود الأربعة الماضية الـ5 مليارات دولار أمريكي، وهو رقم قياسي؛ إلا أن ويليس لم يختص في هذا النوع من الأفلام فقط، إذ تزخر سيرته الذاتية بمشاركات متنوعة في مسلسلات حققت شهرة واسعة، وأفلام نوعية أظهرت موهبته كممثل لا يمكن تأطيره ضمن أُطر السينما التجارية المدرة للأرباح، حيث تنوعت أدواره السينمائية والتلفزيونية بين الدراما والكوميديا والرومانسية.
وفي مجمل هذه التجارب، بدا ويليس صاحب موهبة فذة وحضورًا طاغيًا يتميز بتقنين الانفعالات والغوص في عوالم الشخصية الداخلية. ولذلك، نستعرض في هذه المقالة، إلى جانب أفلام الحركة التي صنعت شهرته وجعلت منه نجم شباك لا يُضاهى؛ شراكاته الفنية النوعية مع مخرجين كبار في أفلام نجحت في تقديم الجوانب التي لا تظهر في أفلام الحركة، وأظهرت كذلك موهبته كممثل سينمائي من طراز رفيع.
إليكم قائمة بـ 5 أفلام ظهر بروس ويليس في بعضها كبطل لا يُهزم، وجسّد في بعضها الآخر شخصيات سينمائية مبتكرة بشكل جيد.
1- داي هارد
يُعتبر هذا الفيلم الانطلاقة الحقيقية لبروس ويليس في عالم السينما. والمفارقة أن ويليس لم يكن المرشح الرئيسي للعب دور البطولة بسبب عدم شهرته في عالم أفلام الحركة. لكن الخيار وقع عليه بعد رفض أرنولد شوارزينغير وسلفتير ستالونن وهاريسون فورد وريتشارد غير تجسيد الدور. وقد اشترطت الشركة المنتجة على ويليس ألا يتم استخدام وجهه في الجولات والملصقات والمقاطع الترويجية للفيلم.
يحكي الفيلم الذي أُنتج منه 3 أجزاء بعد نجاح الجزء الأول، قصة المحقق جون ماكلين المشاكس الذي يتصدى بمفرده لمجموعة إرهابية سيطرت على برج "ناكاتومي" واحتجزت عماله وموظفيه كرهائن ليلة عيد الميلاد. والمفارقة الملفتة في الفيلم هو عدم بناء الشخصية الرئيسية على الطريقة الأمريكية التقليدية، إذ لم يكن البطل خارقًا للعادة، أو قناصًا يحسن استخدام الأسلحة النارية، بل كان عنيدًا صبورًا لا يؤمن بالهزيمة.
حقق الفيلم أرباحًا هائلة، واستطاع تقديم بروس ويليس كممثل واعد في هذا النوع من الأفلام. وبالفعل، أصبح ويليس بعد هذا الفيلم أيقونة من أيقونات أفلام الحركة والتشويق.
2- مدينة الخطيئة
على الرغم من أنه ينطوي على شيء من الحركة والتشويق، إلا أنه يُعتبر فيلمًا غامضًا وكئيبًا من حيث المعالجة البصرية، ومعالجة القصص المتقاطعة التي تدور أحداثها في مدينة متخيلة اسمها "سين ستي".
يطرح الفيلم، عبر المعالجة البصرية والتعامل مع البناء الدرامي للشخصيات، تصورًا فلسفيًا متعلقًا بثنائية الخير والشر يفكك عبرها ظاهرة العنف والجريمة بحرية. فالفيلم يرى أن الصراع بين الخير والشر شكلًا من أشكال الجمال، وأن الشخصية الإنسانية ضعيفة وهشة رغم أن معظم أبطال حكاياته من السفاحين والمجرمين، وبأن الخطيئة لازمة بشرية تخبو وتنطفئ في ميعاد محدد.
نال الفيلم استحسان النقاد والجمهور على حد سواء، كما حصل على إشادات واسعة بسبب النزعة التجريبية على مستوى معالجة الصورة، والطريقة التي عالج فيها المخرج والممثلون عوالم القصص المصورة التي حاول الفيلم الإبقاء على مناخها التخييلي وقوة ووضوح شخصياتها كما في الأصل الأدبي، ذلك أن الفيلم معالجة سينمائية لكتاب قصص مصورة يحمل العنوان نفسه للكاتب الشهير فرانك ميلر. وقد حقق أيضًا عائدات ضخمة في عرضه الأولى في السينمات، ونجح كذلك في إبراز مزايا نوعية لبروس ويليس الممثل الذي يظهر في الفيلم كبطل قصة واحدة من بين ثلاثة قصص تشكل حكاية الفيلم.
3- الحاسة السادسة
من مفارقات هذا الفيلم أن كاتبه ومخرجه الشاب إم نايت شيامالان، الذي كان في الـ28 من عمره حينها، رأى في بروس ويليس الممثل الأقدر على لعب شخصية الطبيب مالكوم كرو، رغم أن الأخير يُعد واحدًا من أهم وأنجح ممثلي أفلام الحركة. لكن رؤية المخرج الشاب كانت صائبة، إذ قدّم ويليس في هذا الفيلم واحدًا من أجمل أدواره في السينما، وظهر فيه بصورة مغايرة لفتت الانتباه إلى قدراته التمثيلية المتزنة والعميقة والمتقنة على مستوى الانفعال والفعل.
يروي الفيلم قصة طفل صغير انطوائي وغريب الأطوار يبلغ من العمر 8 سنوات، ويدعي أنه يستطيع مخاطبة الموتى ورؤيتهم، مما يثير قلق أمه العزباء الذي يستحوذ عملها على معظم وقتها، فترسله إلى طبيب نفسي. هنا، تتصاعد أحداث الفيلم الذي ينتهي بصدمة كبيرة، إذ يكتشف الطبيب أنه لم يكن حيًا في الأصل، وأن الصبي استطاع رؤيته والحديث معه لأنه كان ميتًا منذ اللحظة الأولى، ولأن الصبي يستطيع بالفعل مخاطبة الموتى.
4- خيال رخيص
يُعد الفيلم تحفة سينمائية، وأحد أكثر تجارب المخرج العبقري كوستانتين تورانتينو كمالًا وثورية لناحية صناعة القصة السينمائية ومعالجتها بصريًا. إذ ابتدع تورانتينو فيه نمطًا خاصًا في بناء وهندسة الحوار الذي يحمل مواصفات شخصيته المكثفة والمرهونة لزمنها الظرفي السينمائي. وحتى وإن بدا لك الحوار تافهًا وسطحيًا لا يقول شيئًا، إلا أنه بتكامله مع شخصيات استثنائية وفي ظرف استثنائي، يُصبح عميقًا وساحرًا. أما حديث الشخصيات عن أمور قد تبدو تافهة وبسيطة، كمصدر تسمية الهامبرغر أو المصادفات الإلهية، فإن الفضاء الزمني والمكاني والبناء النفسي للشخصيات يمدّ أحاديثهم البسيطة يجعلها أحاديث مهمة وعميقة.
حطم الفيلم الطرق التقليدية في صناعة الشخصية والموضوع والحوار السينمائي، وشكّل إلهامًا عظيمًا لصناع السينما الذين دفعهم للنظر إلى الحوار والشخصية السينمائية بطريقة جديدة أكثر حرية وجنونًا. وعلى الرغم من غياب الترابط الزمني بين الأحداث، إلا أننا نكتشف في نهاية الفيلم بأن الحكاية كانت، منذ اللحظة الأولى، متماسكة وواضحة وسلسلة، وأن ما دفعنا للاعتقاد بغياب الترابط هو اعتيادنا على القوالب الجاهزة.
تدور قصة الفيلم حول مجرمين يعملان لحساب رئيس عصابة لا يرحم، فنراهم يحاولان استعادة حقيبة مخدرات من أحد منافسيهم، ثم يشرفان بعد ذلك وبأمر من رئيس العصابة على مباراة ملاكمة لا بد أن يخسر فيها ملاكم فقير (لعب دوره بروس ويليس) يحاول الدفاع عن كرامته وسمعته، كما أنه يحتفظ بساعة يد توارثتها عائلته أبًا عن جد، ويرى أن التفريط بها بعني التفريط بكل إرث عائلته.
يَقتل الملاكم الفقير خصمه من الضربة الأولى ويهرب بعد أن استعاد ساعته. وأثناء ذلك، يدخل بالصدفة إلى أحد المستودعات فيجد رئيس العصابة وهو على وشك التعرض للاغتصاب من قِبل مجموعة مهووسة بالاختطاف، فينقذه ويعفو عنه رئيس العصابة حينها.
قدّم ويليس في هذا الفيلم واحدًا من أجمل أداءاته خلال مسيرته السينمائية خارج إطار أفلام الحركة. ويُذكر أن الفيلم رُشح لسبع جوائز أوسكار، منها أوسكار أفضل سيناريو أصلي التي فاز بها.
5- ما الذي حدث للتو؟
يتناول هذا الفيلم الكوميدي الممتع عالم الإنتاج السينمائي ونمط الحياة الغرائبي لنجوم السينما في لوس أنجلوس، ويمر عليها استعراضًا وتفكيكًا، من خلال قصة منتج سينمائي لعب دوره ببراعة روبيرت دي نيرو، وصوّر الفيلم معاناته مع مهنة صناعة السينما من خلال صراعه مع موزعة أحد الأفلام التي يعمل عليها، والتي تطلب منه طلبًا غريبًا هو حذف مشهد قتل الكلب في نهاية الفيلم، وهو ما يرفضه مخرج الفيلم الذي أوهم المنتج بأنه قام بحذفه.
في المقابل، يخوض المنتج صراعًا آخر لإقناع بروس ويليس بأن يحلق لحيته لأن الدور الذي سيؤديه يتطلب ذلك، لكنه يمتنع لأنه أطلقها لأسباب شخصية وروحية، الأمر الذي يهدد الفيلم بالتوقف. وإلى جانب هذين الصراعين، يتعرض المنتج لضغوطات أخرى من قبل طليقته وابنته المراهقة.
يصوّر الفيلم ببراعة عالم صناعة السينما المشوب بالتوتر والذي يرزح تحت الضغط على الدوام. ورغم صغر حجم الدور الذي يؤديه بروس ويليس، إلا أنه أتاح للمشاهد الاطلاع على شخصيته المهنية ومزاجيته في العمل بصورة لا تخلو من الطرافة والحس الكوميدي.