سلّطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على مجريات ما يحدث في جنوب سوريا، مؤكدةً تراخي قبضة نظام بشار الأسد في السويداء ودرعا. واعتبرت المجلة الأميركية أنّ ذلك مؤشر جديد على عدم قدرة النظام على الإمساك بزمام الأمور، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أنّ مناطق الأكراد في الشمال الشرقي، ومناطق المعارضة في شمال البلاد، خارجة تمامًا عن سيطرته.
درعا
تمكن النظام السوري قبل 6 أعوام بالتحديد من السيطرة على محافظة درعا "مهد الثورة السورية". وكانت هذه السيطرة، حسب "فورين بوليسي"، مفعمة بالرمزية السياسية، ولذلك شكّلت لحظةً فارقة بالنسبة للنظام، فضلًا عن أن السيطرة على المحافظة الجنوبية ذات الغالبية السنية كانت آخر حالةٍ يستولي فيها النظام على مساحة كبيرة من أراضي المعارضة.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه قبيل استيلاء النظام على درعا، تم تصنيفها على الورق على أنها "منطقة خفض التصعيد" بعد أشهر من العمل الدبلوماسي الدولي المكثف.
ظنّ كثيرون أن السيطرة على درعا كانت بمثابة انتصار لنظام للأسد، لكن تبين مع مرور الوقت أنه لم ينتصر أبدًا، بل نجا فحسب
لكنّ النظام وداعميه من الروس والإيرانيين ضربوا بعرض الحائط وضع محافظة درعا بوصفها "منطقة خفض تصعيد"، وواصلوا هجماتهم المكثفة وأطبقوا عليها حصارًا أفضى إلى تحويلها إلى أنقاض، ما دفع أهاليها إلى الاستسلام.
وبسقوط درعا، تخلت واشنطن، حسب "فورين بوليسي"، عن: "حلفائها في المعارضة الأكثر موثوقيةً بالنسبة لها، وهي الجبهة الجنوبية، وآنذاك نصح المسؤولون الأميركيون المعارضة بالاستسلام".
ومن حينها، لم يعد وضع النظام في درعا موضع شك أبدًا، إذ تراجع دور الدول المناهضة للنظام، وبدت بشكل منهجي منهكةً وغير مهتمة بسوريا، حسب المجلة الأميركية.
ظنّ الكثيرون أنّ السيطرة على درعا أعلنت انتصار الأسد، ووضعت سقفًا للثورة السورية، لكن تبين مع مرور الوقت، حسب "فورين بوليسي"، أن بشار الأسد لم: "ينتصر أبدًا، بل نجا فحسب، وذلك بفضل الدعم القوي المستمر من روسيا وإيران، ولكن أيضًا بسبب تراجع الاهتمام الدولي".
وهو تراجع غير مبرر حسب "فورين بوليسي"، التي أكدت أن الوضع في سوريا أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى: "فثمة علامات واضحة ومستمرة على تعافي تنظيم الدولة الإسلامية المكنّى "داعش"؛ وتجارة المخدرات الدولية المرتبطة بنظام الأسد بلغت قيمتها مليارات الدولارات؛ والأعمال العدائية الجيوسياسية التي تشمل إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة مستمرة"، حسب المجلة.
وحاليًا، ترى المجلة المعبرة عن لسان الخارجية الأميركية أن قبضة النظام على المناطق الخاضعة لسيطرته لم تكن أكثر ضعفًا وأقل إقناعًا من أي وقت مضى. ويقدم جنوب سوريا، بحسبها، مثالًا صريحًا. فبعد 6 سنوات من قصف مهد الثورة وإخضاعها، بدأ حكم الأسد في الجنوب يتآكل.
فبينما كان النظام السوري وراعيه الروسي: "يعتزمان أن يجسد الجنوب سوريا المستقرة التي تم تطهيرها من المعارضين، كانت المنطقة هي الأكثر عدم استقرار في أي مكان في سوريا منذ عام 2018"، حيث وثقت "سوريا ويكلي" قتل ما لا يقل عن 47 شخصًا في محافظتي درعا والسويداء بين منتصف حزيران/يونيو ومنتصف تموز/يوليو 2024 لوحدهما، في ظل سيل من الاغتيالات اليومية والكمائن والمداهمات والخطف وإعدام الرهائن. ودرعا على وجه الخصوص هي تجسيد للانفلات الأمني والفوضى حسب المجلة.
وفضلًا عن ذلك، أصبح مقاتلو المعارضة السابقون وغيرهم من الفصائل المسلحة المحلية في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين الخاضعتين لسيطرة النظام أكثر جرأةً في تحدي انتهاكات النظام في الأسابيع الأخيرة.
وتشير المجلة إلى أنه: "في الفترة من منتصف حزيران/يونيو إلى منتصف تموز/يوليو، قام مقاتلون مسلحون – معظمهم من المعارضة السابقة – باختطاف ما لا يقل عن 25 ضابطًا عسكريًا سوريًا انتقامًا من اعتقال النظام التعسفي للمدنيين في مناطقهم. وقد تم بعد ذلك استخدام الرهائن بنجاح كوسيلة ضغط لإجبار النظام على إطلاق سراح المعتقلين المدنيين"، مضيفةً: "لم يحدث من قبل مثل هذا التحدي للنظام بشكل مستمر وإجباره على الخضوع".
رأت المجلة الأميركية أن نظام بشار الأسد لا يعزز سلطته في سوريا لأن الواضح أنها تنهار
بدورها، تنفذ الفصائل المسلحة المحلية، التي تعتبر على الورق متصالحة، هجمات مباشرة على نقاط التفتيش والمباني العسكرية التابعة لنظام الأسد ردًّا على الانتهاكات.
السويداء
لم تهدأ السويداء المجاورة لدرعا عن الاحتجاج في وجه النظام، فقد نظم أهاليها أكثر من 330 يومًا من الاحتجاجات المتتالية للمطالبة بإسقاط الأسد، كما شنت الفصائل المسلحة المحلية فيها مؤخرًا هجمات على مواقع النظام، وانخرطت في قتال عنيف دام 48 ساعة استقطب تعزيزات النظام من دمشق.
واضطر النظام نهاية شهر حزيران/يونيو المنصرم إلى التراجع وتحويل نقطة التفتيش شديدة التحصين التي وضعها عند مدخل المدينة إلى موقع بدون سلطة محلية.
وتعتبر "فورين بوليسي" أن هذا التحدي المباشر لسياسة النظام الأمنية تطورٌ مهم، لأنه حظي بقدر كبير من الاهتمام الإقليمي وسلط الضوء على تراجع النظام، مع وضعنا بعين الاعتبار أن السويداء المحافظة ذات الغالبية الدرزية لم تقع أبدًا تحت سيطرة المعارضة.
وترى "فورين بوليسي" أن هذا التحدي غير المسبوق ربما يفسر اغتيال مرهج الجرماني أحد أبرز قادة الجماعات المسلحة المناهضة للنظام في السويداء، والذي قاد العديد من الهجمات ضد قوات النظام.
إن مثل هذه المشاهد، حسب المجلة، تقدم صورةً عن الواقع الحقيقي لحكم النظام في العام الرابع عشر من الأزمة السورية، مقتضاها أن نظام الأسد "لا يعزز سلطته التي من الواضح أنها تنهار".