ثمّة اتجاهات تذهب إلى اعتبار الانقلابات العسكرية التي تحدث في دولة ما، تقود إلى إشكالية في الاستقرار السياسي في هذه الدولة، فقضية التداول السلمي للسلطة من أكثر القضايا المثيرة للجدل، والتي تدور في فلكها الكثير من الأزمات التي تعاني منها الدول، خاصةً في عقر دار قارة الانقلابات السعكرية: أفريقيا.
السواد الأعظم من السودانيين اعتبر أن محاولة الانقلاب الفاشلة، ليست إلا مسرحية من تنفيذ المجلس العسكري نفسه
وغالبًا ما يصاحب الانقلابات نوع من الاستبداد والديكتاتورية، وربما الحروب الأهلية التي تشتعل بحجة أن تلك الحكومة سيطرت على كرسي الحكم بطريقة غير شرعية، وغالبًا ما يصاحب تلك الحكومة إدانات واسعة من قبل المجتمع الدولي، إضافًة إلى القيود والحذر في التعامل معها.
اقرأ/ي أيضًا: ليلة السكاكين الطويلة.. سلسلة انقلابات عسكرية تهدد الثورة السودانية
الانقلاب الخامس
شهدت العاصمة السودانية الخرطوم صباح الأربعاء الماضي، الموافق 24 تموز/يوليو 2019، حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجيش وتنظيم الحركة الإسلامية، على إثر محاولة انقلابية محبطة، هي الخامسة منذ الإطاحة بالبشير، قام بها قادة من الجيش السوداني بتخطيط وإيعاز من رموز في الحركة الاسلامية، بحسب ما أدلى به المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، في بيان تلفزيوني.
إلا أن السواد الأعظم من الشعب، اعتبر البيان الصادر عن المجلس العسكري بشأن محاولة الانقلاب ما هو إلا محض مسرحية مثل الانقلاب نفسه، أو بمثابة إدارة أزمة بافتعال أزمة أخرى لإلهاء الشارع السوداني وتمرير بعض الأجندات.
استقبل الشارع السوداني أخبار الانقلاب بتعجب واستفسار، وانهمرت التعليقات كالسيل العرم، فاختلف الرأي العام السوداني حياله، فقد رأى البعض وخصوصًا من الذين يؤيدون وجود المجلس العسكري باعتباره يمثل "صمام أمان للمرحلة القادمة"، أن نظام المؤتمر الوطني، الحزب البائد، أراد إعادة نفسه عبر هذا الانقلاب.
يُحاجج هؤلاء بأن هذا هو ديدن الحركة الإسلامية في السودان، التي جاءت للحكم عبر انقلاب عسكري صبيحة الـ30 من حزيران/يونيو 1989.
مسرحية؟
في المقابل، استنكرت الحركة الإسلامية بيان المجلس العسكري الانتقالي واتهامها بالضلوع في تلك المحاولة، مصدرةً بيانًا مضادًا نفت فيه الاتهامات الموجهة لها، قائلةً إنها "أضحت باستمرار شماعة يعلق عليها القصور والأخطاء".
وقالت الحركة بشأن الاتهامات التي وجهت لبعض قادتها بالمشاركة في المحاولة الانقلابية، إن هذا الأمر "لا يتفق ورؤية الحركة لأهمية الاستقرار والوفاق في هذه المرحلة، وبذلك تنفي الحركة أي مشاركة أو نية لها لعمل من هذه الشاكلة، وتدعو الجهات التي أصدرت هذا الاتهام لتمليك كل المعلومات والبراهين والأدلة للرأي العام حتى تتضح الحقيقة للجميع".
من جهة أخرى، اتهم البعض المجلس العسكري الانتقالي برغبته في تصفية بعض القيادات في القوات المسلحة حتى يسيطر على مقاليد الحكم في البلاد، وعدم توفير أرض خصبة لقيام انقلاب عسكري فعليّ يطيح بالمجلس وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال حميدتي.
لهذا الرأي قاعدة واسعة في البلاد، انطلاقًا من أنه منذ الإطاحة بالبشير، دأب المجلس العسكري في تنفيذ عِدة اعتقالات وتصفيات تجاه بعض الضباط الذين انحازوا للشعب إثر اعتصام القيادة العامة في الخرطوم، ثم توالت تلك الاعتقالات بعد سلسلة من الانقلابات الواهية من قبل المجلس العسكري الانتقالي.
هذا بالإضافة إلى الاعتقالات التي صاحبت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي لا تزال جاثمة على صدور المواطنين، حتى وصل الأمر إلى تصفية بعض منتسبي القوات المسلحة أثناء تلك المجزرة، واعتقال ضباط بذريعة ضلوعهم في تلك المجزرة، الأمر الذي يعتبره الكثيرون بمثابة تصفية واضحة لعناصر بعينها لحاجة في نفس يعقوب.
حميدتي مرة أخرى
وفي نفس السياق، ذهبت مجالس السودانيين إلى أن خيوط اللعبة انتهت باستجواب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي حميدتي، الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب بشأن الانقلاب الفاشل، وتسريب فيديو مجتزأ لهذا الاستجواب، اعترف فيه الفريق أول هاشم عبد المطلب أثناء التحقيق بأنه ينتمي إلى الإسلاميين، وهو ما اعتبره الكثيرين دليلًا "أوضح" على "مسرحية" الانقلاب، بإخراج حميدتي نفسه.
في المقابل، يزداد ترجيح مقولة سعي حميدتي للسيطرة الكاملة على زمام الأمور. وقد بدت البوادر منذ البداية، عندما فرض نفسه على المجلس العسكري، ثم مع الظهور المتكرر في محافل شعبية متحدثًا باسم المجلس، وأحيانًا باسم "حماية الثورة".
على مدار سنوات طويلة تعززت سطوة قوات الدعم السريع، وإن كانت بعيدةً عن أضواء السياسة بالقدر الكافي، قبل أن يبزغ نجم حميدتي كفاعل أول في البلاد بعد الإطاحة بالبشير.
يعتبر البعض أن الفيديو المسرب للتحقيق مع هاشم عبدالمطلب قائد محاولة الانقلاب المزعومة، تأكيد على مسرحية الإنقلاب بإخراج حميدتي
يشهد السودان الآن حالة فراغ دستوري، قد تمثل، في نظر كثيرين، خطرًا يهدد مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، في ظل سيطرة أجندات لا يبدو أنها متوافقة تمامًا، وسؤال الانقلاب العسكري المزعوم أو الفاشل، يفتح بابًا واسعًا للاحتمالات كلها.
اقرأ/ي أيضًا: