جرّد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ثلاثةً من وزراء الحكومة المؤقتة من مناصبهم، على رأسهم وزير الخارجية حسين عوض، بالإضافة لوزير الإعلام والثقافة جراهام عبد القادر، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف أسامة حسن، وعيّن البرهان بدلًا من هؤلاء كلًّا من السفير يوسف أحمد وزيرًا للخارجية، وخالد علي الأعيسر على وزارة الثقافة والإعلام، وعمر بخيت محمد آم، مكلفًا بمهام وزير الشؤون الدينية والأوقاف، إضافة إلى إسناد حقيبة وزارية جديدة، هي التجارة والتموين لعمر أحمد محمد.
وتأتي هذه التعديلات الوزارية بالتزامن مع استعادة الجيش السيطرة على بعض المناطق من قوات الدعم السريع، وانسحاب بعض القادة العسكريين والمستشارين السياسيين من قوات الدعم السريع، وإعلان التحاقهم بمعسكر الجيش والحكومة في بورتسودان.
وبحسب الترا سودان فإنّ التغييرات الجديدة جاءت بضغوط أعضاء مجلس السيادة الانتقالي، لتطوير أداء السياسة الخارجية وتطوير الأداء الإعلامي الحكومي في ظل الحرب وصراع الروايات، كما جاءت التعديلات الحكومية استباقًا لمطالب الحركات المسلّحة بمراجعة اتفاق جوبا.
التغييرات الجديدة في الحكومة جاءت بضغوط أعضاء مجلس السيادة الانتقالي
حسابات السياسة الخارجية:
عين البرهان شخصية دبلوماسيةً وأكاديمية على وزارة الخارجية، فالوزير الجديد وهو علي يوسف خريج قسم العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، حاصل على الدبلوم العالي في العلاقات الدولية، ونال الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة تشارلز في براغ بدولة تشيكوسلوفاكيا.
وتشير المعلومات إلى انخراطه في العمل الدبلوماسي منذ العام 1973، حيث عمل في إدارات مختلفة بوزارة الخارجية السودانية، وتقلد العمل الدبلوماسي في عدد من الدول، وهي كينيا، المملكة العربية السعودية، تونس، واليمن. وتقلد منصب سفير السودان لدى الصين في الفترة من 1993 حتى العام 1998. وعُين سفيرًا للسودان في الاتحاد الأوروبي من العام 2001 حتى العام 2006، وسفارة السودان في جنوب إفريقيا من 2009 وحتى 2013، وشغل منصب مدير عام وكالة السودان للأنباء "سونا".
ويعلق دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية، على قرار تعيين علي يوسف أحمد شريف وزيًرا للخارجية بالقول: "إن القرار جاء لأن مجلس السيادة لم يكن راضيًا عن أداء الوزير المعفي حسين عوض، ولم يحقق المطلوب منه. خاصة في المعارك الدبلوماسية لبطء تحركاته في الملفات"، ويتابع المصدر الدبلوماسي: "ربما يتحسن أداء البعثات الدبلوماسية بتحسن أداء الحكومة التنفيذية والمؤسسة العسكرية، لأن السودان منذ سنوات يعاني من سيف العقوبات، بناءً على الصراع المسلح والقرارات التي صدرت في هذا الشأن، جميعها كانت تقع على رأس وزارة الخارجية".
ويعتقد الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن التعيين هذه المرة جاء مختلفًا باختيار أحد التكنوقراط، ممن لهم خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي، وإن بدا أن شخصيته قد لا تتمتع بالاستقلالية.
الأداء الإعلامي زمن الحرب:
اشتهر وزير الإعلام الجديد خالد علي الإعيسر من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، من مقر إقامته في بريطانيا. حيث أظهر خلال الحرب دعمه اللامحدود للجيش، ودعا إلى تصنيف قوات الدعم السريع "مليشيا إرهابية" في أكثر من مناسبة.
ويرى متابعون أنّ صعود الإعيسر إلى واجهة الإعلام يتزامن مع فترة سيئة يعيشها السودانيون بسبب الحرب، وتراجع نشاط القوى المدنية داخل البلاد، وتوقف نحو 30 صحيفة ورقية في العاصمة الخرطوم، وإغلاق جميع المحطات التلفزيونية والإذاعية بسبب القتال، وتلاشي الحياة العامة في الخرطوم منذ الأسبوع الأول للقتال منتصف نيسان/أبريل 2023.
تقلبات الحكومات السودانية:
تأثرت المناصب الحكومية بسياق الحرب، فطوال هذه الفترة الممتدة لأكثر من 18 شهرًا، كانت الحقائب الوزارية تواجه مشكلة الاضطرابات السياسية والتقلبات، حيث تعاقب أكثر من وزير على ذات الحقيبة، وسقطت حكومتان في أقل من سنتين.
وبشأن التعديلات الوزارية الجديدة، يرى الباحث السياسي مصعب عبد الله، أن جهات داخل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، لم تكن راضية عن أداء وزارة الثقافة والإعلام خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع. وتعتقد أنها فشلت في التعبئة الإعلامية، إلى جانب تفوق منصات على شبكات التواصل الاجتماعي على مؤسسة حكومية، حسب اعتقاد المسؤولين.
تهدف التغييرات الحكومية إلى تنشيط العمل الدبلوماسي والإعلامي
ويرى عبد الله في حديث لـ"الترا سودان"، أن أداء وزارة الإعلام، انعكاس لأداء الحكومة التنفيذية، ولا ينفصل عنها مطلقًا، ولا يمكن تقديم خطاب إعلامي حكومي، لأن الدول الديمقراطية عادة لا تعين وزراء للإعلام، وبمجرد الاتجاه إلى تخصيص وزارة للإعلام هذا يعني أن النظام السياسي يريد احتكار المعلومات وتوجيه الرأي العام، وهذا غير منطقي مع العالم اليوم، الذي أصبح بإمكان الأشخاص فيه التعبير عن أنفسهم من داخل منازلهم، عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضاف: "في السودان منذ عقود يتم تعيين الوزراء في الحقائب الوزارية للترضية السياسية، وهكذا درجت الدولة منذ سنوات طويلة، رغم أن العمل الإعلامي لم يشهد تطورًا لأسباب متعلقة بالتمويل ونقص التدريب والضرائب الحكومية الباهظة على المستثمرين في هذا القطاع، والحد من حرية التعبير والسجن في بعض الأحيان".
ويقول مصعب عبد الله، إن قرارات البرهان جاءت نتيجة ضغوط أعضاء مجلس السيادة، خاصة العسكريين، بترديد عبارة واحدة "لازم تغيروهم"، في إشارة إلى أداء وزيري الإعلام والخارجية خلال الشهور الماضية، وضرورة استبدالهما، خاصة وأن الإجراءات تزامنت مع مطالب الحركات المسلحة، بمراجعة اتفاق قسمة السلطة والحصول على حقائب إضافية.