29-يونيو-2024
انتخابات الرئاسة في موريتانيا

الانتخابات الرئاسية الموريتانية (فيسبوك)

من المنتظر أن يتوجه نحو مليوني ناخب موريتاني اليوم السبت 29 حزيران/يونيو إلى مكاتب الاقتراع لاختيار رئيسٍ للبلاد لمدة 5 أعوام، وذلك من بين 7 مترشحين يتنافسون على هذا المنصب، هم على التوالي الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الشيخ الغزواني، وبيرام الداه اعبيد الوجه الحقوقي المعروف بخطابه الراديكالي، ورئيس حزب تواصل الإسلامي حمادي ولد سيدي المختار، وطبيب الأعصاب الأشهر في موريتانيا أوتوما أنطوان سليمان سوماري، بالإضافة إلى المحامي الشاب العيد محمد امبارك، ومامادو بوكار باه مرشح حزب التحالف من أجل العدالة والتنمية، ومحمد الأمين المرتجي الذي يقود ما يسميه "مشروع الخيار الآخر".

وتعدّ هذه الانتخابات ثامن انتخابات رئاسية يعرفها البلد منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960. ويُحسم الفوز في السباق الرئاسي بحصول أحد المترشحين على الغالبية المطلقة من الأصوات أي نسبة (50 في المئة +1). وفي حال لم يحصل أي المترشحين على هذه الأغلبية من الجولة الأولى يتم اللجوء إلى جولة ثانية، بعد أسبوعين من يوم الاقتراع، بين المرشحين الحاصلين على النسب الأعلى من الأصوات.

وأوفد كلّ من الاتحاد الإفريقي والمنظمة الدولية للفرنكفونية ودول الساحل والصحراء ومنظمة التعاون الإسلامي وشبكة النساء الرائدات في إفريقيا وفودًا لمراقبة الانتخابات.

اللجنة المستقلة التي تتولى تسيير الانتخابات والإشراف عليها قالت إنها فتحت الباب واسعًا أمام الملاحظات المقدمة من المعارضة وأثبتت وقوفها على مسافة واحدة من الجميع وهو ما يشكك فيه المعارضون.

يذكر أنّ عددًا من المترشحين أبدوا قلقهم من حدوث تزوير، في حين اتهم البعض منهم السلطات الإدارية والأمنية بعدم الحياد، خاصةً بعد إقدام الشرطة على منع المرشح أوتوما سوماري من تنظيم مهرجانه الانتخابي الختامي الذي كان من المقرر أن ينعقد في نفس المكان الذي عقد فيه المرشح ولد الغزواني مهرجانه الختامي.

كما سُجّلت مناوشاتٌ بين أنصار المترشحين، من حملة بيرام الداه اعبيد وحملة ولد الغزواني، خاصة في العاصمة السياسية نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو.

يشار إلى أن اللجنة المستقلة للانتخابات، التي تتولى تسيير العملية الانتخابية، أعلنت وقوفها على الحياد من جميع المرشحين، وأضافت على لسان المتحدث باسمها تقي الله الأدهم أنها "فتحت الباب واسعًا أمام الملاحظات المقدمة من المعارضة وأثبتت وقوفها على مسافة واحدة من الجميع" على حد قوله.

ظرفية خاصة

وتُنظَّم لانتخابات الرئاسية الموريتانية في ظلّ ظرفية خاصة، حيث يتطلع البلد إلى استخراج الغاز في الربع الثالث من العام الجاري  من حقل "السلحفاة آحميم" الذي تبلغ احتياطاته 25 تريليون قدم مكعب، وبالإضافة لهذا الحقل يوجد حقلان آخران لم توقع عقود استغلالهما بعد هما حقلا "بير الله" الذي تقدر احتياطاته ب 80 تريليون قدم مكعب، وحقل "باندا" الواقع في أعماق المحيط الأطلسي على بعد 60 كلم من العاصمة نواكشوط وتقدر احتياطاته ب 1.2 تريليون قدم مكعب.

وتراهن موريتانيا على احتياطاتها من الغاز والنفط لإحداث قفزة نوعية في تطوير اقتصادها، لكنّ تحديات الفساد والحكامة تفرض نفسها كعقبات موضوعية أمام هذا الهدف.

ولذلك احتل موضوع الفساد أهميةً كبيرةً في برامج المتنافسين في السباق الرئاسي، بالإضافة لتركيزهم على الشباب الذي يمثل الشريحة الأوسع من السكان، وتتربص البطالة بأكثر من 30 في المئة منه، ما غذّى في صفوف الشباب مؤخرا فكرة الهجرة، حيث هاجر آلاف الشباب الموريتاني، في أقل من 4 سنوات، نحو الولايات المتحدة الأميركية.

بالإضافة للتحدي الاقتصادي تواجه موريتانيا تحديًّا أمنيًا، بسبب انفراط عقد مجموعة دول الساحل التي عبثت فيها الانقلابات العسكرية، ولا سيما الجارة مالي التي تشهد حدودها المحاذية لموريتانيا نشاطًا مكثفا للجماعات المسلحة، وأدت "الحرب الأهلية فيها" إلى نزوح مئات الآلاف نحو الأراضي الموريتانية حيث يتم إيواؤهم في مخيم "امبرّه" للاجئين الأزواديين.

يدفع المرشح ولد الغزواني لتجديد الثقة به بدعاية "الخيار الآمن" في إشارة إلى "التكلفة غير المحسوبة" التي قد يدفع إليها اختيار الموريتانيين لمرشح آخر من المتنافسين معه. ويعد ولد الغزواني الموريتانيين بأن تكون المأمورية القادمة "للشباب وبالشباب"، كما يعد بالضرب بيد من حديد على "الفساد والمفسدين"، وذلك على الرغم من أن معارضته تتهمه باحتضان رؤس الفساد وبالتساهل مع أنواع الفساد الإدراي والحكومي.

أما المرشح بيرام الداه اعبيد الذي يتزعم حركة إيرا والمعروف بنضاله ضد العبودية والتمييز، فيبشر حال فوزه بـ"كنس المفسدين"، وبـ"التغيير الجذري" عبر القطيعة مع الأساليب التي حكم بها "الجنرالات موريتانيا". وأظهرت الحملة الانتخابية قدرةً واضحة للمرشح بيرام وأنصاره على الحشد لاسيما في المدن الكبيرة مثل العاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو ومدينة ازويرات المنجمية.

يخوض مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي حمادي ولد سيدي المختار السباق الرئاسي بشعار "أمل وطن"، ولا يبدو أن الحزب الذي عرف انسحابات في صفوف قيادته مؤخرًا قد تأثر كثيرًا بتلك الاستقالات، حيث أظهر هو الآخر قدرةً على الحشد في التظاهرات الانتخابية التي سيّرها، وآخرها يوم الخميس قبل دخول البلاد مرحلة الصمت الانتخابي.

خلف هؤلاء الثلاثة، الذين يتنافسون حسب المراقبين، على النسبة الأكبر من أصوات الناخبين، يوجد مرشحان مغموران هما المحامي الشاب العيد محمد امبارك الذي استقطب دعم عدة تيارات وأحزاب أبرزها التيار الناصري وحزبين من أبرز أحزاب المعارضة الموريتانية الكلاسيكية، على الرغم من تراجع وزنهما الشعبي، هما حزب تكتل القوى الديمقراطية وحزب اتحاد قوى التقدم. والمرشح الآخر المغمور هو طبيب الأعصاب أوتوما أنطوان سوماري الذي حظي بدعم مبادرات شبابية صاعدة خاصة في الأوساط النسوية و"التقدمية".

وبالنسبة للمرشحين باه مامادو بوكار ومحمد الأمين المرتجي فتبدو حظوظهما ضئيلةً جدًّا، ويتوقع في أحسن الأحوال أن يتحصلا معا على نسبة 5% فقط.

وتتبنى موريتانيا نظامًا رئاسيًا، يعطي الرئيس نصيب الأسد من الصلاحيات، فهو الذي يعين الوزراء ويقيلهم ويستطيع حلّ البرلمان.