21-أكتوبر-2024
السيسي وبوتين

(AFP) انضمام مصر لمجموعة بريكس

تسعى موسكو من خلال مجموعة بريكس إلى وضع أسسٍ جديدة لنظامٍ مالي عالمي جديد، ويأتي هذا الطموح الروسي في وقت تعمّقت فيه الأزمة بين موسكو والغرب، وفشلت فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الحفاظ على نظام عالمي موحد قادر على حل الأزمات الكبرى، آخرها وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان.

ولكي تتمكن روسيا من إنجاح النظام العالمي البديل الجديد، فهي حريصة على ضمّ قوًى إقليمية وازنة إلى هذا التجمع، الذي يضم دولًا كبرى على رأسها الصين وروسيا والهند. وفي هذا السياق يأتي التركيز الروسي على دول مثل مصر والسعودية للالتحاق بقمة مجموعة بريكس المزمع عقدها في قازان، عاصمة تتارستان الروسية، في الفترة من 22 إلى 24 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

لكن روسيا مطالبة أيضًا بإثبات القدرة على تسوية النزاعات التي فشلت الولايات المتحدة في تسويتها، علمًا بأن روسيا ضالعة في العديد من تلك النزاعات، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، على غرار الملف السوري والليبي والسوداني.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألقى كلمةً مسجلة خلال منتدى أعمال تجمع "بريكس"، وجّه فيها الشكر لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، على "الجهود المستمرة خلال الرئاسة الروسية للتجمع للعام الجاري"، قائلًا إن "المنتدى يعقد في وقت يشهد فيه العالم تحديات وأزمات دولية متعاقبة وغير مسبوقة، تتطلّب تكاتف جميع الجهود، لإيجاد حلول فاعلة لها".

تسعى موسكو من خلال مجموعة بريكس إلى وضع أسسٍ جديدة لنظامٍ مالي عالمي جديد

دوافع مصر للالتحاق بـ"بريكس":

يرى عمار فايد، وهو باحث مصري في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنّ القاهرة "تريد بشكل أساسي منافع اقتصادية، فهي تريد جذب استثمارات من دول بريكس، فضلًا عن إمكانية الاستفادة من فرص التمويل التي يمنحها بنك التنمية الجديد في شنغهاي (NDB) التابع للمنظمة"، وأردف فايد أن "الاستفادة السياسية تظل محدودةً، لأن دول بريكس لا تتبنى مشروعًا جيوسياسيًا متجانسا أصلًا، وبينها تباينات واسعة، ليس فقط بين الهند والصين، ولكن حتى الدول العربية التي انضمت أخيرا ما تزال حليفةً للغرب"، ومع هذا، فإن دخول مصر بريكس يمثل، حسب المراقبين، "اعترافًا بأهميتها واستمرار تقدير قوى دولية رئيسية لدور البلاد الجيوسياسي".

وتذهب مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ميريت مبروك، إلى التأكيد على "أن مصر لن تسمح لأي شيء بأن يؤثر على علاقتها الاستراتيجية والعميقة بالولايات المتحدة"، لكن في الوقت ذاته ترى أن تجمع بريكس "يعطي مساحةً لمصر ودولًا أخرى، نطاقًا وحرية أوسع للتحرك، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى نوع من التوازن في العلاقات الدولية في ما بعد". وأضافت مبروك: "مصر لن تضحّي بعلاقتها بالولايات المتحدة، فهي تبذل جهدًا كبيرا جدا لكي تحافظ على هذه العلاقة، ولكنها منذ بضعة أعوام تحاول توسعة نطاق علاقتها الدولية، كي لا تكون معتمدة بشدة على دولة واحدة".

وحول ما تريده مصر حاليًا من تجمع بريكس، ترى ميريت مبروك أن "مصر تريد عدة أهداف، أولها: الاستقرار الاقتصادي لأن بريكس يمثل ليس سوقًا أكبر فقط، ولكن يمثل بلدانًا جديدة خارج أوروبا والولايات المتحدة، التي شكلت تكتلًا اقتصاديًا كبيرًا خاصًا بها، ولذلك فإن بريكس توسع الساحة وتعطي فرصة أكبر للبلاد النامية"، مضيفة أن مصر "تريد أيضًا الحرية الاقتصادية والسياسية، لأن أسواق التجمع أكبر ويضم بلدانًا ضخمة، مثل الهند وغيرها، وهي تمثل أسواقًا كبيرة لمصر".

بدوره يرى الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، أبو بكر الديب، أنّ لمصر "أهدافًا من الانضمام لتحالف بريكس، بالنظر إلى أنه تحالف دولي قوي، ينافس اقتصاديًا مجموعة السبع الكبار، ومتوقع انضمام العديد من الدول له، كما أنه يتوقع أن يسبق مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي وكذلك معدلات النمو، ولذلك ستكون له مكانة اقتصادية كبيرة، ومعروف أن أي قوة اقتصادية ستشكل قوة جيوسياسية وسياسية وعسكرية".

القناعات والأفكار ذاتها يتقاسمها مع المحللين السابقين الباحث في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية، خالد فؤاد، بقوله: "كان هناك هدفان رئيسيان أولهما الهدف الاقتصادي. ومن الواضح أن اقتصاد مصر متعثر، وكانت هناك محاولات من مصر أن تلتحق بمجموعات اقتصادية ضخمة، ربما تساهم في إنعاش اقتصادها، وبالتالي بريكس كمجموعة اقتصادية كبيرة، فيها دول ذات اقتصادات كبيرة، يمكن أن تساعد أو تقدم بعض الحلول للاقتصاد المصري المتعثر".

وأضاف: "أما من الجانب السياسي، فهناك نقطة مهمة، وهي أن مصر في السنوات الأخيرة، تحاول استعادة فاعليتها السياسية وثقلها الاستراتيجي وسمعتها السياسية بشكل عام، وبالتأكيد كل ذلك تضاءل في السنوات الماضية، سواءً على المستوى الإقليمي أو حتى على مستوى القارة الأفريقية، ولذلك ربما تكون محاولات الانضمام لمجموعة اقتصادية كبيرة، مساعدةً في إعادة صورة مصر كدولة لها أهميتها السياسية بشكل عام".

الأهداف الروسية الصينية:

في المقابل لدى روسيا والصين أهدافهما أيضًا من انضمام مصر والإمارات والسعودية لبريكس، وذلك في سياق التنافس الكبير مع الولايات المتحدة على ما يسمى الجنوب العالمي، الذي يضم الدول التي تحاول أن تؤسس لنفسها علاقات قوية وترابط قوي مع الدول المنافسة القوية للولايات المتحدة.

ولدى الصين تحديدًا هدف واضح من ضم دول مثل مصر والسعودية والإمارات لبريكس، وهو زيادة نفوذها العالمي، الذي يساعدها أكثر على بناء مشاريعها الضخمة في تلك الدول، وكلها محاولات من الصين لأن تقف عائقاً أمام الجهود الأميركية والغربية للتصدي للصعود الصيني.

أما بالنسبة لروسيا، فالأمر مختلف بعض الشيء، حسب المراقبين المصريين، "إذ أن موسكو تسعى بالإضافة إلى التنافس على الجنوب العالمي، إلى تحقيق هدف مهم، وهو التصدي للعقوبات الغربية المرتبطة بالحرب الأوكرانية، والحقيقة أن وجود مثل هذه الدول يقدم الدعم لروسيا، ويعطيها مساحةً أوسع في التصدي للعقوبات الغربية، أو بمعنى أدق: يضعف تلك العقوبات وأثرها على الاقتصاد الروسي" على حد تعبير المحلل خالد فؤاد.