09-أغسطس-2024
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو

نتنياهو ينظر بعين للردع المنهار وبعين أخرى لمصيره السياسي (رويترز)

أكمل العدوان الإسرائيلي على غزة شهره العاشر دون تحقيق ذلك النصر الذي يريده رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من الضريبة الفادحة للحرب التي تكاد تتحول إلى حربٍ شاملة، فإنّ فرص إنهائها تكاد تتبخّر أمام تعنّت نتنياهو في ملف صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار من جهة، وتجاوزه الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالجبهة الشمالية وإيران من جهة ثانية بعد اغتيال إسماعيل هنية في إيران، وفؤاد شكر في لبنان، والهجوم على ميناء الحديدة في اليمن.

أربكت جملة التطورات الأخيرة الحسابات في إسرائيل والمنطقة بسبب إصرار "محور المقاومة" على الرد بشكلٍ قوي على إسرائيل ورفض الوساطات التي تحرّكت من أكثر من مكان. ويبدو أن رهان نتنياهو في كسب هذه الجولة مرتبطٌ أشدّ الارتباط بما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية التي تستعد لانتخاباتٍ رئاسية يواجه فيها ترامب كامالا هاريس في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم.

وتَعزز موقف نتنياهو المتصلّب والهجومي بعد الاستقبال الاحتفالي الذي قوبل به في الكونغرس. فبعد عودته من واشنطن صعّد نتنياهو من مستوى العمليات الحربية، مستهدفًا تطويل أمد الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي من جهة، وتعقيد مسرح الأحداث في وجه الإدارة الديمقراطية الحالية في البيت الأبيض، وتعزيز فرص إنجاح مخططه في حال فوز ترامب الذي يبدو أكثر تناغمًا وانسجامًا مع إدارة نتنياهو المتطرّفة.

يقرأ محللون في تهور نتنياهو وتصعيده محاولةً مضنيةً منه لاستعادة الردع الذي انهار منذ عملية طوفان الأقصى

ففوز ترامب سيعني لنتنياهو استراحةً من الضغط الأميركي فيما يخص استحقاقات المرحلة في الداخل الإسرائيلي، خاصةً ما يتعلق بالإصلاحات القضائية، وهو ما سيجعل نتنياهو أكثر شراسةً في التصعيد وأكثر تصلّبًا بشأن أي قرارٍ يتعلق بوقف الحرب على غزة، مستفيدًا بالطبع من الغطاء والدعم الأميركي حال فوز ترامب الذي وافق تحت الطاولة، حسب مصادر أميركية بينها "واشنطن بوست"، على الاعتراف بضم المستوطنات في الضفة الغربية لإسرائيل، بما يضمن لنتنياهو استمرار تحالفه مع اليمين المتطرف الرافض لوقف الحرب والداعي لضم الضفة الغربية والممانع لقيام أي دولة فلسطينية.

هروب للأمام

يجرّ نتنياهو إسرائيل والمنطقة إلى سيناريو الحرب الشاملة مع إيران وحلفائها، وهو سيناريو لا يلقى ترحيبًا من طرف الجيش الإسرائيلي ولا من طرف الحليف الأميركي، كما تعدّه دولٌ رئيسية في المنطقة بمثابة تهديدٍ لأمنها القومي. ولذلك وُصف سلوك نتنياهو، داخل أوساط أمنية ودبلوماسية كثيرة، بالتهور لحرصه على كسر قواعد الاشتباك التي ميّزت الأشهر السابقة من الحرب.

وعلى الرغم من أنّ إدارة بايدن تُلقي بثقلها السياسي لمنع الانزلاق نحو الحرب الإقليمية، فإنّ إيران ما تزال تصرّ على الرد بقوة، الأمر الذي يعقّد الحسابات الأميركية والإسرائيلية أكثر.

ويحدث ذلك في وقتٍ يشعر فيه الإسرائيليون أكثر من أي وقتٍ مضى بتآكل الموقف الإقليمي، في حين يبدو أنّ إيران قد تكتسب عناصر قوةٍ إضافية، خاصةً أنها أخرت ردّها لأجل حشد الدعم الدبلوماسي الإقليمي والدولي بإظهار فداحة عدوان إسرائيل على سيادتها. وتخشى أوساطٌ إسرائيلية من أن يمنح هذا الموقف إيران حوافز إضافية لتسليح قدراتها النووية ما دامت عناصر ووسائل الردع التقليدية غير كافية.

فضلًا عن ذلك، يرى محللون إسرائيليون في كسر نتنياهو لقواعد الاشتباك المعمول بها مع "حزب الله" وإيران، زجًّا بإسرائيل في أتون حربٍ متعددة الجبهات غير مستعدة لها، وتمثل تهديدًا حقيقيًا لوجودها، خاصةً أن الجميع في إسرائيل، بما في ذلك المؤسسة العسكرية ونتنياهو، يعترف بأن السابع من تشرين الأول/أكتوبر مثّل فشلًا على كل المستويات الاستراتيجية.

ويضيف آخرون أنه جرّد الاحتلال الإسرائيلي من أحد عناصر قوته الأساسية وهو الردع. ولذلك يقرأ المحللون في تهور نتنياهو وتصعيده محاولةً مضنيةً لاستعادة ذلك الردع المنهار منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.