14-أغسطس-2024
احتجاجات الشباب في بنغلادش

الطلاب وقود احتجاجات بنغلادش (رويترز)

لم يجد رئيس الحكومة الانتقالية في بنغلادش، محمد يونس، وصفًا أكثر تعبيرًا عن الاحتجاجات التي أطاحت برئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة من وصفها بـ"الثورة"، لكنها "ثورة يقودها الطلبة" حسب الحائز على جائزة نوبل للسلام.

فاحتجاجات بنغلادش التي أنهت 15 عامًا من حكم "المرأة الحديدية"، حسينة واجد، بدأت بحراكٍ طلّابي محبطٍ من نظام الحصص الذي يدفع آلاف الشباب إلى البطالة بشكلٍ آلي دون إمكانية المنافسة على مقاعد في مجال الوظيفة العمومية محسومة سلفًا لأبناء من يسمون بـ"المحاربين القدامى" في حرب استقلال بنعلادش عام 1971. والحقيقة، حسب الشباب المحتج، أنّ نظام الحصص ما هو إلّا محاباةٌ لحلفاء الحزب الحاكم في البلاد الذي ناله نصيبه من غضب الاحتجاجات فأُحرق مقره الرئيسي في العاصمة دكا.

وعلى الرغم من أنّ احتجاجات بنغلادش بدأت سلميةً منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، فإنّ تعامل الأمن معها بالعنف (قُتل خلال المظاهرات حوالي 300 شخص بين طلاب وعناصر شرطة) جعلها تتطور من احتجاجات على نظام الحصص إلى احتجاجات تطالب بإسقاط رأس النظام، على الرغم من أنّ المرأة القوية في بنغلادش كانت قد فازت قبل 6 أشهر فقط من اندلاع الاحتجاجات والمواجهات بولاية رابعة تواليًا، في انتخاباتٍ لم تكن محلّ إجماع، حيث قاطعها حزب بنغلادش الوطني، وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد بزعامة منافستها رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء.

أنهت احتجاجات الشباب البنغلادشي 15 عامًا من حكم الشيخة حسينة التي حكمت بنغلادش بقضبة حديدية

وبانتصار الحراك الاحتجاجي بفرار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة من البلاد، تكون "ثورة" بنغلادش هي أحدث الانتفاضات والثورات التي قادها الشباب والطلاب ونجحت في إسقاط حكومات أو أجبرت الأنظمة الحاكمة على تغيير سياساتها.

بنغلادش

ونرصد في هذا التقرير أهمّ الحراكات الاحتجاجية التي قادها الطلاب في الفترة التاريخية الحديثة من عمر الدول الوطنية.

ثورة شباب سريلانكا.. غوتا غو غاما

شهدت سيرلانكا عام 2022 احتجاجاتٍ واسعة النطاق لعب فيها الشباب دورًا محوريًا، وتمكنت من إسقاط الحكومة. وكانت كلمة السر في احتجاجات سيرلانكا التي استمرت لعدة أشهر "تفاقم الأزمة الاقتصادية" التي انعكست في نقص الوقود وغاز الطهي والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي.

وفي نيسان/أبريل 2022، احتل المتظاهرون بقيادة طلاب الجامعات وغيرهم من الشباب ساحة مجاورة لمكتب الرئيس غوتابايا راجاباكسا في العاصمة كولومبو، مطالبين باستقالته وحكومته.

وكلما طالت مدة الاعتصام، تزايدت أعداد الملتحقين بالشباب الذين أقاموا معسكرًا من الخيام أُطلق عليه "غوتا غو غاما" على اسم مسرحية.

سريلانكا

وأدى تواصل الأنشطة الاحتجاجية إلى استقالة العديد من الوزراء، فيما رفض الرئيس راجاباكسا وشقيقه الأكبر، رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، الاستقالة من منصبيهما.

وكان ذلك حاسمًا في إدخال الموجة الاحتجاجية التي اتسمت بالسلم إلى طورٍ آخر من العنف بعدما هاجم أنصار راجاباكسا معسكر الاحتجاج، وأثارت تلك الخطوة إدانات واسعة أُجبر بعدها رئيس الوزراء على الاستقالة. فيما تمسك الرئيس غوتابايا راجاباكسا بالسلطة حتى تموز/يوليو، تاريخ اقتحام المتظاهرين لمقر إقامته الرسمي، الأمر الذي دفعه للفرار خارج البلاد والاستقالة لاحقًا.

طلاب جامعة تريساكتي والإطاحة بسوهارتو في إندونيسيا

بعد ثلاثين عامًا من حكم إندونيسيا بالحديد والنار، تمكنت انتفاضة طلابية من الإطاحة برئيس الوزراء الإندونيسي محمد سوهارتو، حيث كانت البداية بانتفاض  طلاب جامعة تريساكتي الذين التحق بهم عموم طلاب إندونيسيا في حركة احتجاجية سلمية للمطالبة بالإصلاح بسبب الأزمة المالية التي كانت تعصف بالدولة.

إندونيسيا

ووصلت الحركة الاحتجاجية إلى ذروتها بعد مقتل أربعة طلاب في جامعة تريساكتي على يد الشرطة في 12 أيار/مايو 1998. فبعد تلك الحادثة، اتسعت الاحتجاجات خارج نطاق الجامعة، وسقط فيها مئات الضحايا بسبب العنف المفرط من طرف قوات الأمن،  لكن 10 أيام كانت كفيلةً بسقوط النظام الحاكم الذي يقوده سوهارتو في 21 أيار/مايو 1998.

ميدان تيانانمن في الصين.. مواجهة الطلاب بالدبابات

سحق النظام الصيني في العام 1989 احتجاجات الطلاب المطالبين بالديمقراطية في ميدان تيانانمن مستخدمًا في ذلك القمع الوحشي الجنود والدبابات. وإلى اليوم، تمنع الصين إحياء ذكرى الضحايا الذين سقطوا في ميدان تيانانمن، والذين تقدر بعض المصادر أعدادهم بين المئات والآلاف، في ظل رفض الحكومة الصينية التصريح بالأعداد الفعلية لمن قتلوا هناك.

الصين

انتفاضة تشيكوسلوفاكيا 1989

بالتزامن مع فترة تراخي قبضة الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، شهدت تشيكوسلوفاكيا اندلاع مظاهراتٍ على نطاقٍ واسع عام 1989 ردًا على قمع شرطة مكافحة الشغب احتجاجًا طلابيا في براغ في 17 تشرين الثاني/نوفمبر بعد سقوط جدار برلين بأربعة أيام.

واجه النظام الصيني احتجاجات الطلاب في ميدان تيانانمن بالدبابات

وبانضمام جماهير عريضة للطلاب المحتجين، تحدثت مصادر عن خروج نصف مليون شخص في 20 تشرين الثاني/نوفمبر إلى شوارع براغ، وبعدها بثمانية أيام أعلنت الحكومة بقيادة الحزب الشيوعي استقالتها.

وفي العام 1992، انقسمت تشيكوسلوفاكيا بشكلٍ سلمي إلى دولتين هما جمهورية التشيك وسلوفاكيا.

جنوب أفريقيا وانتفاضة سويتو

كان العام 1976 فاصلًا في تاريخ نضال شعب جنوب إفريقيا ضدّ حكم الأقلية البيضاء، حيث انتفض طلاب سود في السادس عشر من حزيران/يونيو من عدة مدارس في منطقة سويتو في جوهانسبرغ رفضًا لإجبارهم على الدراسة باللغة الأفريكانية، وهي اللغة الهولندية التي كان الحكام البيض يستخدمونها في تصميم نظام القمع العنصري المعروف باسم الفصل العنصري.

وانتشرت الاحتجاجات إلى مناطق أخرى في جنوب إفريقيا، لتتحول إلى نقطة اشتعال للغضب إزاء نظامٍ حرم الأغلبية السوداء في البلاد من التعليم الكافي، والحق في التصويت، وغير ذلك من الحقوق الأساسية.

جنوب إفريقيا

وجابهت السلطات حينها تلك الانتفاضة بقمعٍ شديد، سقط على إثره مئات القتلى. لكنّ نضالات شعب جنوب إفريقيا نجحت في نهاية المطاف في إسقاط نظام الفصل العنصري والتمكين للديمقراطية منذ عام 1994. ومن حينها، أصبح تاريخ السادس عشر من حزيران/يونيو يوم عطلةٍ وطني في جنوب إفريقيا.

حراك الطلاب الأميركيين ضد حرب فيتنام

أحدثت حرب فيتنام تصدّعًا كبيرًا في الشارع الأميركي، لكن الرفض الشعبي للحرب وصل ذروته بعد توسيع الحرب لتشمل كمبوديا، وما رافق ذلك كله من زيادة قتلى الجيش الأميركي الذين بلغ عددهم ما يقرب من 30 ألف قتيل.

ففي الرابع من أيار/مايو 1970، تجمع مئات الطلاب في جامعة كينت في ولاية أوهايو للاحتجاج على قصف كمبوديا، لتستدعي السلطات الحرس الوطني في أوهايو لتفريقهم، حيث لجأت قوات الحرس إلى إطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى لسقوط 4 طلاب قتلى وإصابة 9 آخرين، الأمر الذي فاقم من الاضطرابات التي شملت جميع أنحاء الولايات المتحدة.

فيتنام

وعلى خلفية الزخم الإعلامي لحملة رفض الحرب، شارك 4 ملايين طالب في جميع أنحاء البلاد في إضرابٍ أدّى إلى إغلاق حوالي 900 كلية وجامعة مؤقتًا.

 المقاومة الطلابية للنظام النازي

أقدمت مجموعة طلابية في جامعة ميونيخ الألمانية على تأسيس مجموعة مقاومة للنظام النازي تحت اسم "الوردة البيضاء"، مستخدمةً المناشير للتعبير عن وجهات نظرها المنددة عمومًا بالنظام النازي، قبل أن: "تقطع رؤوسهم بسبب هذه المنشورات عام 1943".

وضمّت المجموعة الصغيرة الأشقاء هانز وصوفي شول، وزملاءهما الطلاب ألكسندر شموريل، وويلي غراف، وكريستوف بروبست، وأستاذ الفلسفة وعلم الموسيقى في جامعة ميونيح كورت هوبر،  بحسب موقع المتحف الوطني للحرب العالمية الثانية في نيو أورلينز.

يشار إلى أن منشورات "الوردة البيضاء" طافت جميع أنحاء ألمانيا، حيث كانوا يرسلون منشوراتهم إلى الأساتذة وبائعي الكتب والمؤلفين والأصدقاء وغيرهم بعد البحث في دفاتر الهاتف عن العناوين.

ألمانيا

ويبدو من خلال حجم توزيع المنشورات أن مجموعة "الوردة البيضاء" استعانت بشبكة واسعة النطاق من المؤيدين في المدن والبلدات في أقصى الشمال والجنوب.

ميلاد الحركة الطلابية المصرية من رحم مقاومة الاحتلال البريطاني

انطلقت الاحتجاجات المنددة بنفي سعد زغلول من ميدان جامعة القاهرة في الانتفاضة التي عرفت بثورة 1919. وقد كوّن الطلاب خلال تلك الموجة الاحتجاجية التي سقط فيها ضحايا كُثر، جهاز شرطة خاصًا أطلقوا عليه "البوليس الوطني" لحماية المظاهرات من المندسين، وخاصةً مظاهرة النساء الأولى التي شاركت بها طالبات مدرسة السنية، كما شكلوا "الجهاز السري" و"اليد السوداء"، وكان لكل منهما دوره فى التحريك والتنظيم وتوزيع المنشورات.

وبعد ذلك، في العام 1935، هبّ الطلاب أيضًا من ميدان الجامعة في احتجاجات حاشدة، بعد تصريح لوزير الخارجية البريطاني قال فيه إنّ: "الحكومة المصرية استشارت الحكومة البريطانية بشأن عودة دستور 1923 فأبدت عدم ملاءمة ذلك"، لتندلع شرارة مظاهرات جديدة بالقاهرة وبعض المدن احتجاجًا على هذا التصريح.

قاد طلاب الجامعات العديد من الاحتجاجات في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي

وبعد تلك الموجة بحوالي 10 سنوات، وبالتحديد في شباط/فبراير 1946، خرج الطلاب من جامعة القاهرة إلى قصر عابدين: "للمطالبة بجلاء الإنجليز وقطع المفاوضات مع بريطانيا، وقامت الشرطة المصرية بفتح كوبري عباس بأمر من رئيس الوزراء وزير الداخلية محمود فهمي النقراشي عندما كان يمر من فوقه الطلبة، وأدى ذلك إلى تساقطهم في نهر النيل ووفاتهم غرقًا وإلقاء القبض على من نجى منهم".

وعلى إثر تلك الواقعة المأساوية، انطلقت احتجاجات واسعة في الإسكندرية والزقازيق والمنصورة وأسيوط احتجاجًا على مأساة كوبري عباس، وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب، كما تضامنت معهم اتحادات خريجي الجامعة وخريجي الأزهر وتقرر أن يكون يوم الخميس 21 شباط/فبراير "يوم الجلاء".

مصر

وشهد الشهر ذاته خروج مظاهرة كبيرة من الأزهر: "اتجهت إلى ميدان الأوبرا حيث عُقد مؤتمرٌ شعبي اتخذ قرارات بالتمسك بالجلاء عن وادي النيل، وتحرير مصر والسودان، ثم زحفت المظاهرة الكبرى بعد انتهاء المؤتمر إلى ميدان قصر النيل وميدان الإسماعيلية، المعروف بـ(ميدان التحرير) الآن، وتم اعتماد ذلك اليوم ليصبح اليوم العالمي للطالب المصري".