27-أغسطس-2024
الرئيس الصيني والأميركي

(Getty) تعرف علاقات واشنطن وبكين ديناميكيةً جديدة

يصل مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، اليوم الثلاثاء، إلى الصين في أول زيارةٍ له إلى بكين منذ توليه منصبه الحسّاس قبل 4 سنوات. ويقود في زيارته مهمةً صعبةً وهي خفض التوترات بين واشنطن وبكين.

زيارة سوليفان التي قد تبدو مفاجئةً للبعض هي في الحقيقة تتويجٌ لمسارٍ بدأ في الغرف الموصدة منذ 7 أشهر، هي بالضبط، حسب صحيفة فايننشال تايمز، عُمر " قصة القناة الخلفية السرية بين الولايات المتحدة والصين".

حيث نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مصادر وصفتها بالمطلعة تأكيدها أن "كبار المسؤولين الصينيين والأميركيين التقوا بهدوءٍ لتثبيت العلاقات بين بلديهما في قممٍ سرية في أنحاء مختلفة من العالم"، وذلك بعد حادثة تحليق المنطاد الصيني فوق الولايات المتحدة مطلع العام الجاري، وبالتحديد 28 كانون الثاني/يناير، ما أدى بعد اتهامات بالتجسس وتبادل التوبيخات إلى تدنّي العلاقات بين البلدين إلى أضعف مستوًى لها منذ تأسيسها عام 1979.

زيارة سوليفان لبكين ليست مفاجئة بل تعد تتويجًا لمسار بدأ منذ فترة خلف الغرف موصدة الأبواب

وفي التفاصيل ذكرت فايننشال تايمز أنه بعد 3 أشهر من حادثة المنطاد الصيني شرع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في مهمته السرية الخاصة، حيث سافر إلى فيينا في أيار/مايو 2023 لحضور اجتماعٍ بالغ الأهمية، مع وانغ يي، الدبلوماسي الصيني المخضرم الذي أصبح أكبر مسؤول عن السياسة الخارجية لبلاده.

وبعد المصافحات والتقاط صورةٍ جماعية، بدأ الفريقان سلسلةً من المحادثات امتدت أكثر من 8 ساعات على مدى يومين، فكان ذلك، حسب الصحيفة البريطانية، "إيذانًا ببدء لقاءاتٍ سرية عديدة في أماكن مختلفة، شملت مالطا وتايلند، وأصبح يطلق عليها الآن القناة الإستراتيجية".

وقد لعبت هذه القناة، حسب فايننشال تايمز، دورًا حيويًا في إدارة العلاقات بين القوى العظمى المتنافسة خلال فترةٍ محفوفة بالتوترات، وأصبحت القناة بمنزلة "ممتص الصدمات"، إذ ساعدت، حسب المسؤولين، في الحد من خطر سوء التقدير من قبل الدولتين.

ومع أن القناة الخلفية لم تحلّ القضايا الأساسية بين القوى العظمى المتنافسة، فإنها ساعدت كلًّا منهما في فهم الآخر كما تقول روري دانييلز، من معهد سياسة جمعية آسيا، حيث تقول دانييلز: "لقد كانت القناة الاستراتيجية ناجحةً جدا في تحقيق الاستقرار على المدى القصير، وتوصيل الخطوط الحمراء ومعاينة الإجراءات التي قد يُنظر إليها على أنها ضارةٌ بالجانب الآخر".

توصلت فايننشال تايمز، استنادًا لمقابلات مع مسؤولين أميركيين وصينيين إلى، أن حادثة المنطاد الصيني لم تكن إلا واحدةً من بين أحداثٍ عديدة دفعت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى الانهيار، إذ كانت الصين غاضبةً من ضوابط التصدير الأميركية على أشباه الموصلات، وفي المقابل كانت واشنطن غاضبةً من دعم الصين لحرب روسيا في أوكرانيا.

يضاف إلى ما سبق ذكره ملف تايوان، الذي يعد الملف الأكثر حساسيةً في العلاقات الأميركية الصينية، حيث رفعت الصين من وتيرة نشاطها العسكري حول الجزيرة التي تعتبرها جزءً من أراضيها، وذلك على خلفية الجهود الأميركية لتسليح تايوان وتدريب جيشها، الأمر الذي يتسبب في غضب بكين.

هذا فضلًا عن سبب آخر تمثل في الزيارة التي قامت بها نانسي بيلوسي، رفقة وفدٍ من أعضاء مجلس النواب لتايوان، آب/أغسطس 2022. حيث ردّت الصين على الزيارة بتدريباتٍ عسكرية ضخمة وأطلقت صواريخ باليستية فوق الجزيرة لأول مرة، وقد كان سوليفان على درايةٍ بهذه الأحداث أثناء استعداده للاجتماع.

وفي هذا الصدد، تنقل فايننشال تايمز عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله: "إن ما كان يدور في ذهن جيك سوليفان هو أننا يجب أن نأخذ كل ما حدث من قبل في الاعتبار ونحدد مسارًا يقودنا إلى مسار مستقر، دون أن نتراجع قيد أنملة عن الأشياء التي نرى أنها في مصلحتنا".

أثناء مهمة محاولة تثبيت استقرار أهم علاقةٍ ثانيةٍ في العالم، حافظ الجانبان الصيني والأميركي على سرية الاجتماع بالبقاء في الفندق، بعد أن كان الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ قد اتفقا قبل 6 أشهر في قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، على إنشاء قناةٍ إستراتيجية من أجل وضع أرضيةٍ لمنع تدهورٍ أكثر في العلاقات بينهما.

ومع أن فيينا كانت فرصة لمحاولة إعادة تشغيل العلاقات بعد حادثة المنطاد الصيني، فإن الأميركيين لم يكونوا متأكدين من موافقة الصين، بسبب تبادلٍ غاضب حول أوكرانيا بين وانغ يي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في ميونخ قبل أشهر.

خطوط الصين الحمر

ودائمًا بحسب فايننشال تايمز، دخل الطرفان الصيني والأميركي الاجتماعات بقائمةٍ مخصصة من القضايا الإستراتيجية التي يراد مناقشتها بالتفصيل، إذ يقول أحد المسؤولين الصينيين إن وانغ استخدم اللقاءات في فيينا ومالطا وبانكوك لتأكيد 3 مواضيع، وهي كون تايوان "خطًّا أحمر"، وأن استقلال تايوان هو الخطر الأكبر على السلام، وأن وقوف الولايات المتحدة مع تايوان يعدّ تدخلًا في شؤون الصين الداخلية.

توترت العلاقات الأميركية الصينية في الفترة الأخيرة نتيجةً لعدة أسباب أهمها ملف تايوان وحادثة المنطاد الصيني

وقال المسؤول الصيني إن القناة الإستراتيجية سمحت لوانغ وسوليفان بمناقشة تايوان بطريقة "صريحة للغاية"، وقد أكد سوليفان أن واشنطن لم تكن تحاول إشعال حربٍ، وأن الصين تستجيب لإغراء المؤامرة بشأن نوايا الولايات المتحدة، وقال "نحن لا نحاول جرّ الصين إلى صراعٍ حول تايوان".

بعد الأحداث المتعلقة بتايوان والتجسس الصيني المفترض على الولايات المتحدة، اجتمع وزراء خارجية البلدين سوليفان ووانغ في فيينا لمرتين، قبل أن يزور وانغ واشنطن ليمهد الطريق للقاء على المستوى الرئاسي، إذ التقى بايدن وشي في سان فرانسيسكو لعقد قمة يتفق الجانبان على أنها تمثل خطوةً نحو تخفيف التوتر بين بلديهما.

تأطير العلاقات

رفض وزير الخارجية الصيني وانغ تأطير الولايات المتحدة للعلاقة باعتبارها "منافسةً"، مؤكدًا أن الصين تعارض ضوابط التصدير الأميركية، ولكن سوليفان "أفهم" وانغ أن الدولتين كانتا في منافسة ولكن لا ينبغي أن يمنع ذلك التعاون بينهما.

وكانت اللقاءات، حسب صحيفة فايننشال تايمز، نوعًا من الإعداد لما ينبغي أن يناقشه الجانبان، كالصفقات المحتملة لقمة سان فرانسيسكو، والتسوية التي تتضمن رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن معهد الطب الشرعي التابع للحكومة الصينية مقابل اتخاذ الصين إجراءاتٍ صارمة ضد تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل، إضافةً إلى إحياء قنوات الاتصال بين الجيشين التي أغلقتها الصين بعد زيارة بيلوسي لتايوان، ثم إنشاء حوارٍ حول الذكاء الاصطناعي.

وفي النهاية، سارت الفعالية دون أي عقبات، وعقد بايدن وشي 4 ساعات من المحادثات، وبدا أن كلا الجانبين خرج راضيًا، إذ قال مسؤولٌ أميركي: "لقد غادرنا القمة بـ3 نتائج قوية جدًا رغم الربيع الصعب".

وبعد شهرين من سان فرانسيسكو، التقى وانغ وسوليفان مرةً أخرى في بانكوك حيث ركز وانغ هذه المرة، حسب مسؤولٍ أميركي، على قضيتين هما: تقاطع الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن، ثم تايوان، وكان وانغ مصممًا على أن واشنطن تحاول احتواء صعود الصين الاقتصادي من خلال إستراتيجية مراقبة الصادرات.

وفي بانكوك، أثار سوليفان مرةً أخرى قضية الدعم الصيني لروسيا، وفي هذا الصدد يقول مسؤولٌ أميركي لفايننشال تايمز: "إن الصين اتخذت بعض التدابير البسيطة لمعالجة المخاوف الأميركية، لكن الاتجاه العام ليس رائعًا".

وبحسب الخبراء، فإن هذه القناة الدبلوماسية لا يمكنها أن تفعل كثيرًا لحل الخلافات الكبيرة التي لا تزال قائمةً بين الولايات المتحدة والصين، إذ "لم تنجح بعد في بناء الدعم في أي من البلدين لمتابعة علاقةٍ أقل مواجهة بشكل أساسي".

ومع ذلك، وعلى الرغم من العديد من الاختلافات، يقول الجانبان إن القناة قيمة، وقال مسؤول صيني إنها آليةٌ "مهمة للغاية" لعبت دورًا بنّاءً ومكّنت من إجراء مناقشاتٍ مهمة حول تايوان، وقد ساعدت في خفض درجة الحرارة في تايوان بعد أن كانت الولايات المتحدة والصين على مسارٍ نحو صراع محتمل.

وختمت الصحيفة بتصريحٍ حصلت عليه من سوليفان قال فيه: "إنه لم يكن لديه أي أوهامٍ بأن القناة ستقنع الصين بتغيير سياساتها، لكنه أكد أنها لعبت دورًا فعالًا في المساعدة في تحويل الديناميكية في العلاقات الأميركية الصينية" وفق تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي.