02-أغسطس-2024
احتجاجات اليمين المتطرف في بريطانيا

(Getty) اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين في ساوثبورت

عرفت شوارع بريطانيا، خلال اليومين الماضيين، احتجاجات تصدرها اليمين المتطرف على خلفية جريمة القتل التي وقعت في مدينة ساوثبورت الساحلية شمال غربي البلاد وراح ضحيتها ثلاثة أطفال، حيث انتشرت شائعات أن منفذ عملية القتل شاب مسلم لاجئ من سوريا، ما أطلق سعارًا عنصريًا ضدّ الجالية المسلمة واللاجئين استُهدفت فيه المساجد، قبل أن يتبين أن منفذ عملية القتل ليس مسلمًا ولا سوريًا بل فتى روانديًا قاصرًا (17 عامًا) من مواليد بريطانيا.

واتهمت أوساط بريطانية، أطرافًا خارجية، في إشارة إلى روسيا، بالضلوع في هذه الاحتجاجات، مطالبةً حكومة العمل التي يقودها كير ستارمر بالتعامل بجدية مع التصاعد الملحوظ لليمين المتطرف في البلاد. خاصةً أنّ انفجار غضب اليمين الشعبوي يعدّ حتى اللحظة أبرز تحدٍّ عملي يواجه حكومة ستارمر في شهرها الأول.

خلفية

اقتحم فتى مسلح بسكّين معهدًا لتعليم الأطفال الرقص في ساوثبورت فقتل 3 فتيات وجرح 8 أخرين بين صغار وبالغين استقرت حالاتهم أخيرًا وفق تقارير طبية.

وعلى خلفية هذه الحادثة، ركب اليمين المتطرف موجة الغضب فقام باحتجاجات اتسمت بالعنف والشغب، وعلى أساس هذا التطور وما سبقه من أعمال مشابهة في مدن ليدز ومانشستر وكِنت، قرر رئيس الوزراء كير ستارمر الاجتماع مع قيادات الشرطة في بريطانيا، وقال متحدث باسم الحكومة الجديدة إن ستارمر يشدد على: "مواجهة أعمال الشغب بحزم، ويؤكد على إظهار قوة القانون الكاملة لهؤلاء الذين يعبثون بأمن البلاد".

انفجار غضب اليمين الشعبوي يعدّ حتى اللحظة أبرز تحدٍ عملي يواجه حكومة ستارمر في شهرها الأول

وبحسب متابعين، لا تحتاج الحكومة العمالية الجديدة إلى أكثر من القوة لمواجهة أنصار اليمين المتطرف عندما يحاولون إثارة الشغب والبلبلة، إلّا أن مكافحة الفكر الشعبوي، حسب المراقبين، تتطلّب حسابات أكثر تعقيدًا في ظل توقعات بوجود أيادٍ خارجية خلف احتجاجات الشعبويين في البلاد خلال اليومين الماضيين.

ويشار إلى أن اليمين المتطرف استثمر وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض وبث الشائعات والدعوة إلى التظاهرات التي اتسمت بالشغب والاستهداف على أساس عنصري، فضلًا عن تجييش الرأي العام البريطاني ضدّ المهاجرين.

واستفاد اليمين المتطرف من تأخر الشرطة البريطانية في إعلان هوية الجاني في جريمة ساوثبورت لأنه لم توجه له تهمة القتل بشكل رسمي، لينسج اليمين الشعبوي قصصًا مختلقةً. وكانت البداية برواية سربتها وسيلة إعلامية خارجية أو مزيفة وفق بعض التحليلات، تقول إن منفذ عملية الطعن التي وقعت في مركز يعلم الأطفال الرقص بمدينة ساوثبورت هو مهاجرٌ مسلم من أصلٍ سوري يسمى علي الشقاطي قدم البلاد العام الماضي عبر زورق أبحر به من سواحل فرنسا.

وعلى هذا الأساس، قالت الأصوات المؤثرة في اليمين المتطرف، وعلى رأسهم الناشط المعروف باسم تومي روبنسون، إن الشرطة تتكتم على اسم الجاني لأنه مسلم وبالتالي: "تحاول أن تحمي الجالية في المدينة والدولة على حساب السكان الأصليين"، داعيًا أنصاره إلى التظاهر وإظهار الغضب إزاء سياسة الدولة.

وبالطبع، نزل أنصار اليمين المتطرف في اليوم التالي لجريمة ساوثبورت إلى الشارع، حيث هاجم ملثمون مسجد المدينة، وعندما تصدت الشرطة لهم انقلبوا على عناصرها ورموهم بالحجارة والأجسام المعدنية مما تسبب بإصابة أكثر من 50 شخصًا بين ضابط وفرد، واعتقل على إثر ذلك عدد من مثيري الشغب.

لم يتوقف التحريض والتجييش عند هذا المستوى، فقد دعي أنصار اليمين مساء الأربعاء للتظاهر أمام مقر الحكومة وسط العاصمة لندن، واتسم حشدهم مرةً أخرى بالشغب، فاعتقلت الشرطة 100 متظاهر اشتبكوا مع عناصرها وتعرضوا للمباني والشوارع بالتكسير والتخريب.

وعلى أساس تصاعد أعمال العنف، دعا رئيس الحكومة القيادات الأمنية للاجتماع للتصدي للمشكلة قبل تفاقمها أكثر. ووصف ستارمر أفعال اليمين الشعبوي بـ"البلطجة وإهانة المجتمع المكلوم".

وعلى إثر ذلك الاجتماع، أعلنت الشرطة البريطانية أمس الخميس هوية الجاني واسمُه أكسل موغانوا روداكوبانا وهو ينحدر من عائلة رواندية مهاجرة ومولود في بريطانيا. لكن غياب هذه المعلومة خلال اليومين الماضيين استغلته جماعات اليمين الشعبوي لحشد الشارع الغاضب من الحادث.

بل وأكثر من ذلك، يرى خبراء، أن جهاتٍ خارجية استفادت من غياب المعلومة الدقيقة للتدخل والعبث بالأمن البريطاني. وفي هذا الصدد، رجّح ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية الخارجية في حديثٍ مع إذاعة "أل بي سي"، أن تكون القناة التي بثت الخبر المفبرك عن مرتكب جريمة ساوثبورت مشروعًا للكرملين"، مضيفًا أنه: "لن يتفاجأ أبدًا إذا كانت أعمال الشغب التي وقعت في تلك المدينة أو غيرها تحدث بتحريض من موسكو"، مشيرًا إلى أن بريطانيا: "في حرب متعددة الميادين مع روسيا" وفق تعبيره.

كما لفت ديرلوف إلى أن الواقع الافتراضي: "مساحة واسعة للمواجهة واستخدام المعلومات المغلوطة في الصراع بين روسيا والغرب"، واصفًا الحرب بين الطرفين بـ"الرمادية والغامضة في كثير من الجبهات التي لا يستطيع الناس ملاحظتها وإدراكها، لذا يعول على يقظة الحكومة والجهات المختصة لرصد الأمر".

بدوره، قال ستيفن ماكبارتلاند، وزير الدولة لشؤون الأمن في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، إن: "دولًا معاديةً تستخدم جريمة القتل في ساوثبورت للتحريض على العنف في بريطانيا، وتتصدر روسيا قائمة المشتبه فيهم في هذا المجال".

وأكد ماكبارتلاند أن: "المعلومات المضللة لتقويض الديمقراطية هي جزء كبير من كتاب قواعد اللعبة الروسية"، مشيرًا إلى أنه في أيار/مايو الماضي طردت الحكومة البريطانية ملحقًا دفاعيًا روسيًا، كما اتهمت الحكومة: "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بارتكاب هجمات إلكترونية خبيثة منهجية تهدف لتقويض الديمقراطية".

نشاط اليمين الشعبوي في تصاعد

تصاعد نشاط اليمين الشعبوي قبل جريمة ساوثبورت بعدّة أيام، حيث تم رصد سلسلة من الحوادث في تموز/يوليو المنصرم استغلها قادة اليمين المتطرف في التحريض ضد المهاجرين ودعوة سكان البلاد الأصليين إلى التظاهر والاحتجاج ضد الأجانب تحت شعارين هما: "كفى يعني كفى"، و"لنستعد بلادنا".

وحمّل اليمين المتطرف جميع المهاجرين مسؤولية الاعتداءات التي حدثت ضد الشرطة في ليدز ومناطق أخرى، وحاول اليمين الشعبوي حشد الرأي العام البريطاني خلف قضية واحدة، وهي: "أن الدولة باتت تخشى على حياة الأجانب وتحرص على سلامتهم وأمنهم أكثر من السكان الأصليين، وهذا يدفع بالوافدين من الجيل الأول أو أبنائهم وأحفادهم نحو التعرض للبريطانيين والاعتداء عليهم".

وتعتبر صحيفة "الإندبندنت" أن الاختبار الأكبر لتأثير الخطاب الشعبوي في الشارع كان في تمكن قياداته وأربابه من حشد أكثر من 100 ألف شخص في تظاهرةٍ لليمين المتطرف نُظّمت السبت الماضي وسط لندن، وفي اليوم التالي هرب القيادي اليميني روبنسون خارج الدولة قبل ساعات قليلة فقط من إصدار الشرطة مذكرة اعتقال جديدة بحقه.

يرى خبراء، أن جهاتٍ خارجية استفادت من غياب المعلومة الدقيقة للتدخل والعبث بالأمن البريطاني

وعلى إثر جريمة ساوثبورت، طرح النائب الجديد في مجلس العموم وزعيم حزب "ريفورم" اليميني، نايجل فاراج، تساؤلات تحريضية حول سبب عدم إفصاح الشرطة عن اسم المجرم، معتبرًا أن سبب غضب الشارع هو إخفاء هوية قاتل الأطفال من دون تفسير مقنع للناس.

وردًّا على تساؤلات فاراج، قالت نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر، إنه لا ينبغي لفاراج أن: "ينشر الأكاذيب عبر الإنترنت وكان يتوجب عليه كنائب أن يتوجه بأسئلته التي طرحها في الفيديو إلى مجلس العموم ليعرف الناس والمشرعون إجابتها ويحصل الجميع على توضيحات من شأنها تبديد المخاوف وتفسير سلوك الشرطة في ساوثبورت".

أما النائب العمالي جوش سيمونز، الذي كان يدير مركزًا لأبحاث مكافحة الفكر الشعبوي، فقال في حديث لصحيفة "بوليتيكو" إن الحكومة: "يجب أن تستمر في العمل لمواجهة الكراهية التي تحاول تيارات اليمين المتطرف نشرها"، معتبرًا أن الرد المناسب على العنف: "هو إظهار التفهم والتعاطف مع الناس".

في حين دعا الوزير الأول السابق في اسكتلندا، حمزة يوسف، حكومة بريطانيا إلى المضي نحو حظر "رابطة الدفاع الإنجليزية" التي يتهمها البعض بالوقوف وراء الاحتجاجات التي شهدتها مدن عدة خلال اليومين الماضيين، وهو مقترح تدرسه الحكومة العمالية جديًا بحسب تصريح وزيرة الداخلية إيفت كوبر.

يشار إلى أنّ "رابطة الدفاع الإنجليزية" هي حركة سياسية أنشأها ناشطون يمينيون من بينهم تومي روبنسون في 27 حزيران/يونيو 2009، وتُصنّف ضمن اليمين الشعبوي من قبل معارضيها ووسائل إعلام محلية، إلا أن الرابطة تنفي رسميًا أن تكون موجهةً سياسيًا، وتقول إنها "تعارض العنصرية وهدفها المعلن هو محاربة أسلمة إنجلترا" على حدّ وصفها.