كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن تفاصيل جديدة عن نائب وزير الدفاع الإيراني علي رضا أكبري، وعلاقته في بريطانيا، وذلك بعد إعدامه مطلع العام الجاري بتهمة التجسس لصالح المخابرات البريطانية في إيران.
يكشف التقرير عن مساهمة جاسوس إيراني في كشف منشأة نووية إيرانية سرية عام 2008
ينطلق تقرير الصحيفة الأمريكية الذي كتب من قبل مراسلة نيويورك تايمز للمنطقة فرناز فاسيحي، والكاتب في الشؤون الأمنية الإسرائيلية رونين بيرجمان، من وصول مسؤول في الاستخبارات البريطانية إلى تل أبيب في نيسان/ أبريل 2008 وذلك من أجل تقديم معلومات هامة لتل أبيب، مشيرًا إلى وجود جاسوس بريطاني "في إيران يتمتع بإمكانية وصول عالية المستوى إلى الأسرار النووية والدفاعية للبلاد".
وبحسب التقرير: "قدم الجاسوس معلومات استخبارية قيمة -وسيواصل القيام بذلك لسنوات- من شأنها أن تكون حاسمة في إزالة أي شك في العواصم الغربية بأن إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية وفي إقناع العالم بفرض عقوبات شاملة ضد طهران"، وفقًا لمسؤولي المخابرات الذين تحدثت معهم الصحيفة الأمريكية.
الكشف عن هوية الجاسوس، الذي كانت سرية طوال الوقت، حصل في 11 كانون الثاني/ يناير، وتقول الصحيفة: "أدى إعدام نائب وزير الدفاع السابق علي رضا أكبري في إيران بتهمة التجسس إلى الكشف عن شيء كان مخفيًا لمدة 15 عامًا: كان أكبري هو الجاسوس البريطاني".
وتضيف نيويورك تايمز أن أكبري عاش حياة مزدوجة، فقد "كان متشددًا دينيًا وصقرًا سياسيًا، وقائدًا عسكريًا بارزًا في الحرس الثوري ونائب وزير الدفاع، الذي انتقل لاحقًا إلى لندن وذهب إلى القطاع الخاص لكنه لم يفقد ثقة قادة إيران أبدًا. لكن في عام 2004، وفقًا للمسؤولين، بدأ في مشاركة أسرار إيران النووية مع المخابرات البريطانية".
استمر نشاط أكبري حتى عام 2019، عندما اكتشفت إيران وبمساعدة من المخابرات الروسية، عن أن أكبري كشف عن وجود البرنامج النووي الإيراني السري الموجود في منطقة جبلية بالقرب من طهران، بحسب مصادر إيرانية على صلة بالحرس الثوري.
وتشير المصادر الإيرانية إلى أن أكبري كشف أيضًا عن هوية أكثر من 100 مسؤول، عملوا على المشروع النووي الإيراني، أبرزهم محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الذي اغتالته إسرائيل في عام 2020.
وتوضح الصحيفة الأمريكية أن بريطانيا، لم تعترف علانية بأن أكبري، الذي أصبح مواطنًا بريطانيًا في عام 2012، هو جاسوسها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية لشؤون إيران ويليام آرتشر: "إن سياستنا طويلة الأمد هي عدم التعليق على الأمور المتعلقة بالاستخبارات".
وتشير الصحيفة الأمريكية، إلى أنها كشفت في أيلول/ سبتمبر 2019 أن مصدر المعلومات الاستخباراتية على الموقع النووي المسمى فوردو، كان جاسوسًا بريطانيًا، وكانت المعلومات الاستخباراتية عن فوردو التي قدمها أكبري، واحدة من المعلومات التي كشف عنها مسؤول المخابرات البريطانية لنظرائه الإسرائيليين والوكالات الاستخبارية الأخرى في عام 2008، وفقًا لثلاثة من مسؤولي المخابرات والأمن القومي الغربيين.
التقدم في إيران
كان أكبري، الذي بلغ من العمر 62 عامًا عندما أعدم، جاسوسًا غير محتمل، وفق تعبير الصحيفة الأمريكية. التي تتابع بالقول: "أظهر الولاء المتشدد لقيم الجمهورية الإسلامية ودعمًا ثابتًا لقادتها". وتضيف نقلًا عن دبلوماسي إيراني "لقد تبنى آراء سياسية متطرفة، تم التعبير عنها في كتابات وخطابات ومقابلات نارية. وفي اجتماعات رسمية، قال إنه يجب على إيران امتلاك سلاح نووي".
وتستكمل الصحيفة الحديث عن أكبري نقلًا عن شقيقه مهدي، الذي قال: "كان أخي شديد التدين وثوريًا للغاية، أكثر من أي شخص آخر في عائلتنا". وحول حياة أكبري، تشير الصحيفة إلى أنه ولد لعائلة محافظة من الطبقة الوسطى في مدينة شيراز، وكان مراهقًا عندما أطاحت الثورة الإيرانية عام 1979 في حكم الشاه، ومن ثم تبعتها الحرب مع العراق، حيث تجنّد هو وأخيه، ومع مغادرته الجبهة انخرط تمامًا في الحرس الثوري.
أمّا في الحياة المدنية، فقد وصل أكبري إلى منصب نائب وزير الدفاع وتقلد مناصب استشارية في المجلس الأعلى للأمن القومي والهيئات الحكومية الأخرى، مع عقده علاقات وثيقة مع العالم النووي محسن فخري زاده، ورئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
وحول أكبري، قال محلل السياسات في إيران والمقرب من الحكومة والحرس الثوري فؤاد آزادي: "لقد كان طموحًا للغاية، ومحللًا ممتازًا يتمتع بمهارات فائقة في الكتابة والتحدث، وكان الناس يثقون به. وكان لديه وصول إلى الكثير من المعلومات الحساسة والسرية حول البرامج النووية والعسكرية"، وفي عام 2004 عند تزايد الشكوك في سعي إيران لامتلاك طهران لبرنامج أسلحة نووية، كانت وظيفة أكبري الأساسية إقناع السفارات في طهران بأن الأخيرة لن تفعل ذلك، حيث كان يجتمع بانتظام مع سفراء بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
"لا يزال الدافع وراء أفعال أكبري غير واضح. قال في المقطع المنشور إنه كان مدفوعًا بـ ’الجشع والسلطة’، رغم أنه نفى أيضًا وجود مشاكل مالية"
الارتباط في بريطانيا
عبر 8 مقاطع مصورة، بثتها التلفزة الحكومية في إيران بعد إعدام أكبري، شرح نائب وزير الدفاع الإيراني السابق تفاصيل تجنيده من قبل بريطانيا، وذلك خلال إحدى المناسبات في السفارة البريطانية في طهران. في المقابل، نشرت عائلة أكبري تسجيلات صوتية مسربة قال فيها إن الاعترافات انتزعت بالقوة.
وتضيف الصحيفة الأمريكية: "لا يزال الدافع وراء أفعال أكبري غير واضح. قال في المقطع المنشور إنه كان مدفوعًا بـ ’الجشع والسلطة’، رغم أنه نفى أيضًا وجود مشاكل مالية". وفي المقاطع المصورة المنشورة قال أكبري إنه تم تجنيده في عام 2004 وأخبر أنه سيحصل هو وعائلته على تأشيرات دخول إلى بريطانيا.
وأضاف بحسب ما نشر رسميًا في إيران أنه سافر في العام التالي إلى بريطانيا والتقى بمسؤول المخابرات البريطانية MI6.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن أكبري تقاعد من مناصبه الرسمية في عام 2008، لكنه استمر في العمل كمستشار لشمخاني وغيره من كبار المسؤولين. وفي العام نفسه، اعتقل أكبري لمدة أربعة أشهر بتهمة التجسس لصالح بريطانيا دون إدانته.
أمّا عن سر إيران الأكبر، فقد كشف في نيسان/ أبريل 2008 وذلك بعد حصول بريطانيا على معلومات عن منشأة فوردو للتخصيب النووي الموجودة في مجمع عسكري تحت الأرض والتي كانت ضمن جهود إيران لبناء قنبلة نووية، فيما شاركت المخابرات البريطانية هذه المعلومة مع إسرائيل ووكالات المخابرات الغربية.
وحول أهمية المعلومة، تقول نيويورك تايمز: "أدى اكتشاف منشأة فوردو إلى تغيير فهم العالم لبرنامج إيران النووي وأعاد صياغة الخطط العسكرية والإلكترونية للغرب لمواجهته".
وحول هذه الجزئية، قال رئيس الأركان في وزارة الأمن الإسرائيلية (منصب مختلف عن رئيس هيئة الأركان): "لقد صدمتنا المعلومات المتعلقة بفوردو"، مضيفًا: "المساهمة الكبيرة للبريطانيين في الجهود الغربية المشتركة لجمع البيانات عن المشروع النووي الإيراني كانت دائمًا في العنصر البشري. كانت أقدامهم على الأرض [يقصد بريطانيا] في أماكن لا يوجد فيها حضور لنا ولا للأمريكيين".
المعلومة حول فوردو انتقلت بشكلٍ سريع، ووفقًا لمسؤول في المخابرات الألمانية، كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في أيلول/ سبتمبر 2009، عن المعلومة خلال قمة مجموعة السبعة في بيتسبرغ في ولاية بنسيلفانيا.
وعن المنشأة تشير نيويورك تايمز، إلى أن المخابرات الغربية كانت تدرك وجودها منذ فترة طويلة، وذلك من خلال مراقبة عمليات حفر في عمق الجبال، لكن الاعتقاد الأساسي كان يدور حول كونه منشأة تخزين عسكري.
وحول ذلك، قال المسؤول السابق عن شؤون إيران في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نورمان رول، إن اكتشاف فوردو غيّر بشكلٍ جذري موقف المجتمع الدولي تجاه إيران. وأضاف أنه ساعد في إقناع الصين وروسيا بأن إيران لم تكن شفافةً بشأن برنامجها النووي، وقاد الضغط من أجل المزيد من العقوبات.
وبالعودة إلى أكبري وعلاقته في السلطة بإيران، ورغم اعتقاله وتقاعده من الوظائف الرسمية، إلّا أنّه استمر في التواصل مع المستويات المسؤولة في إيران، من خلال تقديم المشورة، بالإضافة إلى معرفته بالاجتماعات السرية والمغلقة حول السياسات الإيراني والمفاوضات النووية.
ومع هذه التطورات، استمر أكبري في السفر إلى لندن بانتظام، ومن ثم انتقلت عائلته إلى هناك، حيث أصيب بنوبة قلبية عام 2010، ومن ثم حصل على الجنسية البريطانية، وعاش معتمدًا على محفظة استثمارية. لاحقًا، قال أكبري، خلال المقاطع المصورة التي نشرت عقب إعدامه، إنه زعم تعرضه لنوبة قلبية من أجل البقاء في بريطانيا. ومع ذلك، كشف شقيقه أن أكبري سافر ذهابًا وإيابًا من لندن إلى طهران، ثلاث مرات على الأقل من عام 2010 إلى عام 2019، وأقام في منزل عائلي كان يحتفظ به في طهران.
العودة إلى الإعدام
في عام 2019، وصل علي رضا أكبري إلى إيران للمرة الأخيرة بعد أن طلبه رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، حيث أخبره بأن البلاد بحاجة إليه في مسألة نووية ودفاعية عاجلة، وفق أقوال شقيق أكبري.
بعد وصوله لطهران، استدعته وزارة الاستخبارات الإيرانية، وبعد تواصله مع شمخاني كشف له عن شكوك باتصاله مع المخابرات البريطانية، وحثه على التعاون من أجل دحض هذه الشكوك، فيما تم اعتقاله أكبري بعد عدة استجوابات.
وتقول نيويورك تايمز إن إيران اكتشفت مصدر التسريب حول منشأة فوردو، وهي معلومات تم تأكيدها من قبل المخابرات الروسية.
وفي عام 2020، وبعد عام من اعتقال أكبري ، اغتالت إسرائيل العالم النووي محسن فخري زاده، بواسطة روبوت يتم التحكم فيه عن بعد بينما كان يقود سيارته إلى منزله في عطلة نهاية الأسبوع في قرية جبلية بالقرب من طهران.
أمّا عن اعتقال أكبري، فقد أشار شقيقه إلى أنه اعتقل في حبس انفرادي لعدة أشهر في سجن تحت الأرض، قبل نقله إلى سجن إيفين بطهران.
وفي كانون الثاني/ يناير، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام بقليل من اعتقال أكبري، وبينما كانت الاحتجاجات تنتشر في إيران على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، كشفت السلطات الإيرانية عن ارتباط أكبري في المخابرات البريطانية.
في عام 2019، وصل علي رضا أكبري إلى إيران للمرة الأخيرة بعد أن طلبه رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني
وحول عملية إعدام أكبري، تقول نيويورك تايمز: "من النادر للغاية إعدام كبار المسؤولين في إيران، كانت آخر مرة تم فيها إعدام مسؤول كبير في عام 1982"، وهو ما تكرر بإعدام أكبري شنقًا، فيما دفن أكبري في مقبرة واسعة في ضواحي طهران دون علم أو حضور أقاربه. وقالت عائلته إن السلطات أطلعتهم فقط على شريط مصور يُظهر جسده وهو يغسل ويُعد وفقًا للشريعة الإسلامية.