17-أغسطس-2024
مفاوضات اليوم الثاني

جانب من الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على غزة (وكالة الأناضول)

انتهت المحادثات التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة الرامية لإبرام اتفاق لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، أمس الجمعة، على أن يجتمع المفاوضون مجددًا لاستكمال المباحثات، الأسبوع المقبل، في العاصمة المصرية القاهرة، في وقت وصف بيان مشترك للوسطاء جولة المباحثات الأولى بأنها "جادة وبناءة".

وتأتي أهمية المحادثات التي استضافتها الدوحة وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، بعد تصاعد التهديدات الإيرانية تجاه "إسرائيل"، وتلويحها بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران نهاية الشهر الماضي، فيما توعد "حزب االله" اللبناني بالرد على اغتيال القيادي البارز، فؤاد شكر، في قصف صاروخي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت، قبيل ساعات من اغتيال هنية.

ويقول دبلوماسيون إن وقف إطلاق النار في غزة يمكن أن يساعد في إقناع إيران و"حزب الله" بعدم الرد على اغتيال هنية وشكر، وقدرت الاستخبارات الإسرائيلية، أمس الجمعة، أن إيران و"حزب الله" قد خفضا مستوى التأهب في في وحدات الصواريخ والقذائف، وفقًا لما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن خمسة مسؤولين إسرائيليين.

محادثات "جادة وبناءة"

وقالت الولايات المتحدة وقطر ومصر في بيان مشترك صدر عقب انتهاء اليوم الثاني من المباحثات: "على مدى الـ48 ساعة الماضية في الدوحة، انخرط كبار المسؤولين من حكوماتنا في محادثات مكثفة كوسطاء بهدف إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والمحتجزين".

قدم الوسطاء لكلا الطرفين اقتراحًا يقلص الفجوات بينهما ويتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس الأميركي جو بايدن

ووصف البيان المحادثات بأنها "جادة وبناءة وأُجريت في أجواء إيجابية"، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث قدمت "لكلا الطرفين اقتراحًا يقلص الفجوات بينهما، ويتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس (الأميركي جو) بايدن في 31 أيار/مايو"، موضحًا أن الاقتراح "يسد الفجوات المتبقية بالطريقة التي تسمح بالتنفيذ السريع للاتفاق".

وأعلنت الدول الثلاث في البيانا أن المفاوضين سيجتمعون "مرة أخرى في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل آملين في التوصل إلى اتفاق وفقًا للشروط المطروحة اليوم".

وقالت وكالة الأنباء القطرية "قنا" إن أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحث خلال اتصال هاتفي، أمس الجمعة، مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، آخر تطورات الأوضاع في غزة، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وجهود الوساطة المشتركة لإنهاء الحرب على القطاع.

من جانبه، عبر الرئيس الأميركي عن اعتقاده أن الاتفاق بات يلوح في الأفق الآن، لكنه أشار إلى أن الأمر "لم ينته بعد"، ونقلت وكالة "رويترز" أن بايدن كتب على منصات التواصل الاجتماعي مؤكدًا أنه "لا ينبغي لأحد في المنطقة أن يتخذ إجراءات لتقويض هذه العملية".

وفي وقت لاحق، أعرب بايدن عن تفائله بشأن احتمال التوصل إلى وقف إطلاق النار، وقال للصحفيين "حتى ساعة مضت كان الأمر لا يزال مطروحًا"، وأضاف "أنا متفائل. الأمر لم يقترب من نهايته. هناك بضعة قضايا أخرى. أعتقد أن لدينا فرصة".

لكن بايدن لم يقدم إجابة واضحة عندما سُئل عن موعد بدء وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق، مكتفيًا بالقول: "يبقى أن نرى ذلك"، فيما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية، أن الوزير، أنتوني بلينكن، سيتوجه إلى "إسرائيل" نهاية الأسبوع لتجاوز آخر التباينات تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

في الأثناء، كتب وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري، على منصة "إكس"، أمس الجمعة، أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تناولا خلاله آخر مستجدات المفاوضات المتعلقة بالقضايا والعقبات الموجودة للتوصل إلى اتفاق.

وأشار باقري إلى "محاولات الخداع والاحتيال للولايات المتحدة وإسرائيل على طاولة المفاوضات"، معتبرًا أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا في المحادثات، بل شريكًا في توفير أسلحة الحرب لـ"إسرائيل"، مشددًا على أهمية مواصلة الجهود المشتركة، بما في ذلك المبادرات الدبلوماسية، لوقف جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

الاحتلال يواصل المراوغة والتعطيل

إلى ذلك، نقلت الوكالة الفرنسية عن مصدر في "حماس" تأكيده أن قيادة الحركة تبلغت بنتائج اجتماعات الدوحة، مضيفًا أن الوفد الإسرائيلي "وضع شروطًا جديدة في سياق نهجه للتعطيل مثل إصراره على إبقاء قوات عسكرية في منطقة الشريط الحدودي مع مصر (محور فيلادلفيا)، وأن يكون له الحق بوضع فيتو على أسماء أسرى (فلسطينيين)، وإبعاد أسرى آخرين لخارج فلسطين".

وقال المتحدث باسم "حماس"، جهاد طه، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "ما أُبلغت به قيادة الحركة، يوم (أمس) الجمعة، حول نتائج اجتماعات الدوحة لوقف إطلاق النار لا يتضمن الالتزام بما تم الاتفاق عليه في 2 تموز/يوليو الماضي"، مؤكدًا أنه "لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي هو المعطّل الوحيد للمفاوضات".

وشدد المتحدث باسم الحركة على أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "لا يريد الاتفاق، وهو يستفيد من سياسة الولايات المتحدة الأميركية في شراء الوقت وإحداث أجواء إعلامية من الإيجابية الكاذبة، وأخذه المفاوضات ذريعة للاستمرار في مجازره المروعة والتي فاقت حرب الإبادة الجماعية".

كما نقل "العربي الجديد" عن مصدر قيادي في "حماس"، تأكيده "أن الاحتلال لا يريد الوصول لاتفاق ويواصل المراوغة والتعطيل، ويتمسك بإضافة الشروط الجديدة التي أعلن عنها لعرقلة الاتفاق"، مضيفاً أن "المقترح الأميركي الجديد الذي أُبلغت به الحركة يستجيب لشروط الاحتلال الإسرائيلي ويتماهى معها".

وتتمسك "حماس" بمضمون وثيقة المبادئ الذي حددته، مؤكدةً على شرط انسحاب الاحتلال الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، والوقف النهائي لإطلاق النار، فيما يرفض نتنياهو مبدأ الخروج الكامل من قطاع غزة ضمن خطط للبقاء لفترة زمنية طويلة عبر الوجود في محوري نتساريم، وسط القطاع، وفيلادلفيا على الحدود مع مصر، فضلًا عن نقاط أخرى أضافها مؤخرًا.

وقال "التلفزيون العربي" نقلًا عن مصادر لم يسمها إن "إسرائيل" أبدت مرونة في ملف الأسرى في جولة المباحثات الأخيرة، ولفتت المصادر إلى أن الولايات المتحدة زادت نشاطها ورفعت مستوى الضغط على "إسرائيل" بهدف التوصل لاتفاق.

وتابعت المصادر أن واشنطن تعهدت بالضغط على إسرائيل في ملف ممر نتساريم، وتفتيش النازحين العائدين إلى شمال قطاع غزة، وأضافت أن الجيش الإسرائيلي سيشارك في مفاوضات بالقاهرة بشأن محور فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة.

وفي السياق ذاته، كشفت المصادر لـ"التلفزيون العربي" أن القاهرة ستستضيف مباحثات فلسطينية فلسطينية بشأن إدارة معبر رفح، وأن مصر  أكدت موقفها الداعي لعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة المعبر.

وأفادت القناة الـ12 العبرية، أن وفد إسرائيل المفاوض سيسافر إلى القاهرة، غدًا الأحد، لاستكمال المحادثات بشأن وقف الحرب على قطاع غزة وتبادل المحتجزين.

اختراق على صعيد المحادثات المصرية الإسرائيلية

في غضون ذلك، قال "العربي الجديد" إن المعلومات المتوفرة تؤكد أن "غالبية البنود العالقة لم تراوح مكانها، رغم أن هناك اختراقًا على صعيد المحادثات المصرية الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا، بانحياز قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الاتصالات الأخيرة، لموقف قادة الأجهزة الأمنية بشأن انسحاب القوات مقابل ترتيبات أمنية جديدة".

وأضاف "العربي الجديد" وفقًا للمعلومات التي توفرت أن نتنياهو "هو الذي يمنع تلك الخطوة ويتمسك ببقاء قوات الجيش في الممر رغم توصيات وزير الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية في هذا الصدد بعد سلسلة اجتماعات واتصالات مصرية إسرائيلية أميركية".

وأشارت المعلومات إلى أن هناك "رهانًا مصريًا على تحول مواقف بعض مكونات حكومة الاحتلال الإسرائيلي للدفع في اتجاه إبرام اتفاق الهدنة على عكس رغبة نتنياهو الذي لا يزال يعرقل تلك الخطوة".

وأوضح مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أن المحادثات بين الوسطاء الثلاث بلغت مع الوفد الإسرائيلي "مرحلة متقدمة لم يسبق أن بلغتها من قبل، لكن لا اتفاق بعد"، مضيفًا أنه "جرى حل اثنين من المواضيع الأساسية الثلاثة العالقة، بشكل أوليّ".

وأشار المصدر إلى أنه بالنسبة للنقطة الأكثر تعقيدًا المتعلقة بمحور نتساريم، فقد تعهد الوفد الأميركي بأن يحلها بايدن بشكل مباشر مع نتنياهو، مشيرًا إلى أن الوفد الإسرائيلي المفاوض أبدى رفضًا قاطعًا للانسحاب من نتساريم.

وكشف المصدر أنه تم الاتفاق في إطار التوافقات الأولية خلال محادثات اليومين الماضيين على إدخال 600 طن مساعدات يوميًا إلى غزة، وعلى إنشاء ثلاثة مكاتب ارتباط لتنفيذ بروتوكول المساعدات المدنية في عواصم البلدان الوسيطة في المفاوضات، وهي الدوحة والقاهرة وواشنطن.

وأضاف المصدر أنه بخصوص الفيتو الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين الذين قد يشملهم إطلاق السراح، فإن "إسرائيل" خفضت عدد الأسرى الذين ترفض الإفراج عنهم من 120 إلى 65 أسيرًا في غضون يومين من المفاوضات في الدوحة.

وكانت قناة "كان 11" العبرية قد نقلت في وقت متأخر، أمس الجمعة، عن مصادر أمنية إسرائيلية لم تسمها، قولها إن القتال في قطاع غزة "قد استُنفد"، وأضافت المصادر أن "إسرائيل يمكنها العودة ودخول القطاع مجددًا عندما تتوفر معلومات استخباراتية جديدة، ولكن بشكل عام عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة انتهت".

وأشارت القناة في نشرتها المركزية إلى أن المؤسسة الأمنية أبلغت المستوى السياسي بأن "الوقت قد حان لإبرام صفقة أسرى، إذ تم تفكيك معظم الوحدات القتالية التابعة لحماس".