مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تزداد حدة التجاذب السياسي في إسرائيل التي تختبر قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على البقاء في السلطة.
فقد فجر نتنياهو قنبلة في وجه إدارة بايدن، هذا الأسبوع، حين صرح بأن الولايات المتحدة كانت تؤخر وصول شحنات أسلحة رئيسية إلى إسرائيل. لكن تم تدارك الأمر من قبل وزير الأمن يوآف غالانت خلال زيارته لواشنطن، هذا الأسبوع، لإجراء محادثات لحل المشكلة، وفق معلومات سربها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لصحيفة "واشنطن بوست".
واستطاع غالانت حل الخلاف حول شحنات الأسلحة الأميركية، المتمثلة في الذخيرة ومحركات الدبابات والطائرات المقاتلة F-35. وبحسب الصحيفة الأميركية، يعد حل هذه الأزمة، التي فجرها نتنياهو، أمرًا مهمًا.
تعكس خطة غالانت رؤية مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، على الرغم من أن نتنياهو رفض علنًا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة ما بعد الحرب
وفي الوقت نفسه، وُجِهت انتقادات علنية لنتنياهو من قبل رئيسي وزراء سابقين، إيهود باراك وإيهود أولمرت، وشخصيات إسرائيلية بارزة قدمت طلبًا جماعيًا إلى الكونغرس الأميركي لسحب الدعوة الموجهة لرئيس الحكومة الإسرائيلية لإلقاء خطاب أمامه في الرابع والعشرين من تموز/يوليو القادم، بدعوى أنه لا يمثلهم.
ونُشر المقال الذي تضمن الطلب في صحيفة "نيويورك تايمز" باسم كلّ من رئيس الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم الإنسانية ديفيد هاريل، ومدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق تامير باردو، والمديرة السابقة لقسم المهام الخاصة في مكتب المدعي العام الإسرائيلي تاليا ساسون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، وعالم الأحياء الإسرائيلي آرون تشيشانوفر، والروائي وكاتب المقالات ديفيد غروسمان.
واستهل الموقعون مقالهم بالقول: "عادةً، نحن الإسرائيليين نعتبر هذه الدعوة اعترافًا بالقيم المشتركة بين بلدينا، وبادرة ترحيب من أقرب أصدقائنا وحلفائنا، الذي ندين له بشدة وأخلاقيًا. لكن الكونغرس اقترف خطأً فادحا".
واعتبر المقال أن ظهور نتنياهو في واشنطن: "لن يمثل دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيكون بمثابة مكافأة لسلوكه الفاضح والمدمّر تجاه بلدنا".
كما اتهم أولمرت، في مقال نشره بصحيفة "هآرتس"، نتنياهو بتعمد إطالة أمد الحرب ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، والتخلي عن المحتجزين.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض ائتلاف نتنياهو الحاكم لهزة هذا الأسبوع حين قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بفرض التجنيد على اليهود 'الحريديم" المتشددين في الجيش، وهو القرار الذي يدعمه بعض أعضاء الائتلاف في حين يعارضه آخرون.
من جهة أخرى، واصل غالانت المضي قدمًا في خطط الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب على غزة، التي لا يدعمها نتنياهو، حيث تحدث مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحفيين، وشكر غالانت على: "نهجه المهني في جميع قضايا الشراكة الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة".
كما أشارت "واشنطن بوست" إلى أن الموضوع الأكثر أهمية الذي تناولته زيارة غالانت، ولم يتم تناوله إعلاميًا، هو خطة مفصلة للانتقال لليوم التالي للحرب في غزة.
ولفتت مصادر إلى أن هذه الخطة ستمضي قدمًا حتى لو استمرت "حماس" في رفض اقتراح وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين في غزة، وهو الاقتراح الذي تبذل الإدارة الأميركية جهودًا، منذ عدة أشهر، من أجل تحقيق تقدم.
وكشفت الصحيفة الأميركية فحوى هذه الخطة، التي تمت مناقشتها في واشطن، حيث ستشرف لجنة توجيهية برئاسة الولايات المتحدة ودول عربية "معتدلة" على خطة الانتقال في غزة، بحيث ترسل قوة دولية، يحتمل أن تضم قوات من مصر والأردن والإمارات العربية والمغرب، للإشراف على الأمن، مع توفير القوات الأميركية الخدمات اللوجستية من خارج غزة، كما ستتحمل قوة فلسطينية مسؤولية الأمن المحلي.
ومن المحتمل أن يتم تدريب قوة الأمن الفلسطينية، في إطار برنامج المساعدة الأمنية الحالي للسلطة الفلسطينية، الذي يشرف عليه منسق الأمن الأميركي لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الجنرال مايكل فينزل، الذي يتخذ من القدس المحتلة مقرًا له.
وبحسب "واشنطن بوست"، تعكس خطة غالانت رؤية مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، على الرغم من أن نتنياهو رفض علنًا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة ما بعد الحرب.
وكشف مسؤولون أميركيون للصحيفة الأميركية أنهم يدعمون خطة غالانت، ولكن الحكومات العربية المعتدلة لن تدعمها ما لم تشارك فيها السلطة الفلسطينية بشكل مباشر.
وسيتم تنفيذ الخطة الانتقالية في غزة على مراحل، بدءًا من الشمال ثم في الجنوب مع تحسن الظروف. ووفق التصور المطروح، ستقسم غزة في نهاية المطاف 24 منطقة إدارية، ورغم دعم مسؤولين في إدارة بايدن للفكرة، لكنهم يشككون في إمكانية نجاحها بسرعة.
تعكس خطة غالانت رؤية مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، على الرغم من أن نتنياهو رفض علنًا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة ما بعد الحرب
فالافتراض الذي بنيت عليه الخطة أن "حماس" لم تعد لها القدرة العسكرية بما فيه الكفاية لشن هجمات واسعة النطاق، والتي يعتقد القادة العسكريون الإسرائيليون أنهم أنجزوها إلى حد كبير. لكن مسؤولًا أميركيًا أخبر "واشنطن بوست" أن قوة شبيهة لـ"حماس"، توفر الآن بعض الأمن لقوافل توزيع المساعدات الإنسانية في شمال غزة. وأضاف المسؤول أن: "هذه القوة توصف بأنها سلطة الأمر الواقع".
يبدو أن مناورة نتنياهو لإلقاء اللوم على إدارة بايدن حول تأخير وصول الأسلحة لإسرائيل قد فشلت، ويبدوا أن الضغط السياسي يتزايد للوصول إلى نهاية للحرب في غزة، ويجمع منافسو نتنياهو أنه لطالما كان سياسيًا ذكيًا ويتلون مع المتغيرات المطروحة، لكن خياراته السياسية للبقاء بدأت تضيق.