29-أغسطس-2024
السيسي وآبي أحمد

رسائل طمأنة إثيوبية لمصر (رويترز)

رمت إثيوبيا بحجرٍ في بركة المفاوضات الراكدة بينها وبين مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي، وذلك قبل أيامٍ قليلة من زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا التي تقود جهود الوساطة بين الطرفين المصري والإثيوبي، وسط معلومات بإمكانية حدوث اختراقات في الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا، بعدما باءت عدة وساطات أخرى (سعودية وجزائرية وإفريقية) بالفشل. إذْ استبق رئيس الوزراء الإثيوبي زيارة الرئيس المصري لتركيا برسائل طمأنةٍ من خلال وقف الملء الخامس لسد النهضة عند منسوب منخفض وفتح ثلاث بوابات من البوابات الست بالمفيض الغربي الجانبي.

اكتمال البناء الخرساني واستئناف تشغيل توربينات جديدة على سد النهضة

قامت إثيوبيا بتشغيل توربينين جديدين على سد النهضة الكبير، ينضافان إلى اثنين آخرين، من إجمالي 13 توربينًا من المخطط أن توضع على السد، في شباط/فبراير وآب/أغسطس 2025. ويتيح تشغيل التوربينين الثالث والرابع لإثيوبيا مضاعفة إنتاجها من الكهرباء بفضل سد النهضة الضخم الذي بنته على نهر النيل وشكّل مصدرًا للتوتر مع جيرانها، وخصوصًا مصر.

وأعلنت الهيئة التي تدير سد النهضة أنّ "البناء الخرساني للسد اكتمل الآن"، مضيفةً في منشورٍ على منصة "إكس" أنّ: "التقدم الشامل لسد النهضة انتقل الآن من مرحلة البناء إلى مرحلة التشغيل".

حاول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إرسال رسالة طمأنة لمصر والسودان، بتوفير إمدادات مياه ثابتة لهما

وفصّلت هيئة إدارة سد النهضة بالقول: "التوربينين اللذين يولدان 400 ميغاواط لكلٍّ منهما بدأ تشغيلهما الآن، بالإضافة إلى توربينين يولدان 375 ميغاواط لكل منهما، ليرتفع إجمالي الإنتاج إلى 1550 ميغاواط".

كما أفادت هيئة إدارة سد النهضة أنّ "مفيّضات السد تصرف 2800 متر مكعب في الثانية من المياه الإضافية باتجاه دول المصب" مصر والسودان.

أية علاقة بين هذه التطورات والمفاوضات بين الطرفين المصري والإثيوبي في أنقرة؟

تأتي هذه الإعلانات الإثيوبية قُبيل أيامٍ من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا في الرابع من أيلول/سبتمبر المقبل لعقد قمة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، حيث تقود أنقرة وساطةً بين القاهرة والخرطوم من جهة وأديس أبابا من جهة أخرى بشأن ملف سد النهضة. ومن المنتظر أن يحضر ملف سد النهضة بقوةٍ في المباحثات التركية المصرية التي ستتم على هامش زيارة السيسي لأنقرة.

على هامش التطورات الأخيرة، المشار إليها آنفًا بشأن سد النهضة، قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن: "الإطلاق المنظم بعناية للمياه سيعزز بشكل كبير الإنتاجية الزراعية، ويعزز توليد الطاقة، ويحسن استخدام الموارد في جميع أنحاء المنطقة". مضيفًا أنّ سد النهضة: "يؤدي دورًا حاسمًا في إدارة تدفق المياه، وتخفيف مخاطر الفيضانات، وضمان حصول الدول الواقعة في مجرى النهر على إمداداتٍ ثابتة من المياه، خصوصًا أثناء فترات الجفاف".

تصريحات آبي أحمد هذه اعتبرها خبراء في المياه رسالة طمأنةٍ لكل من مصر والسودان، حيث نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد نصر علام قوله إن: "الهدف الرئيسي من الإعلان الإثيوبي هو الإشادة بالإنجاز الإثيوبي وتشييد سد النهضة وعدد من التوربينات لتوليد الكهرباء"، مضيفًا أن هناك: "هدفًا ثانويًا وهو محاولة إرسال رسالة طمأنينة لمصر والسودان، وتوفير إمدادات مياه ثابتة لهما". وشدّد الوزير المصري السابق على أن: "الخطورة تتمثل في عدم اعتراف إثيوبيا بحصتي مصر والسودان، في مياه النيل، وبالتالي ما قد يتم توفيره من المياه لهما من خلال سد النهضة قد يكون أقل من احتياجاتهما".

ويرى أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، أن إعلان الحكومة الإثيوبية "المفاجئ" لشعبيْ مصر والسودان بفتح ثلاث بوابات من البوابات الست بالمفيض الغربي الجانبي حقق ثلاثة أهداف في آنٍ واحد، وهي: "أولًا الانصياع لطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإيقاف الملء الخامس عند منسوب منخفض عن 640 مترًا، وثانيًا إظهار حرص أديس أبابا إعلاميًا على إرضاء الدولة المصرية، وثالثًا إجراء الاختبار الفني والتأكد من سلامة البوابات المعدنية فوق المفيض الجانبي".

وأضاف الخبير المصري أنّ: "حديث أبي أحمد عن أنه قرر وقف الملء الخامس عند هذا المنسوب مع زيادة حجم البحيرة لقرابة 62 مليار متر مكعب وهي تكفي تمامًا لتشغيل جميع التوربينات العلوية والمنخفضة على مدار العام المقبل من دون تأثير يذكر على دولتي مصر والسودان، جاء ليؤكد لدولة الممر (السودان) والمصب (مصر) أن دولة المنبع (إثيوبيا) لن تضر أيًّا منهما".

وأشار إلى: "تأكيد أبي أحمد أن إثيوبيا قد تتقاسم تدفقات فيضان الصيف مع شركائها في النهر، وأنها ستصرف المزيد من مياه بحيرة التخزين في الأشهر المقبلة وخصوصًا بعد اكتمال أربعة توربينات بالكتلة الشرقية خلال هذه الأيام واحتمالية زيادتها لسبعة توربينات قبل نهاية العام الحالي، مما يعني مزيدًا من المياه لمصر والسودان".

ولفت الخبير المصري إلى أنه: "في حالة استمرار الحرب الأهلية في السودان ستصل إلى بحيرة ناصر حتى نهاية يوليو 2025، كل تلك المياه بسبب عدم تخزين السدود السودانية أي مياه بسبب سوء الصيانة والتهديدات الأمنية، بينما في حالة توقف الحرب الأهلية (في السودان) في أي وقت قبل هذا التاريخ، ستكون هناك مشكلة مائية كبيرة ببحيرة ناصر، وعليه يمكن القول إن ما حجزته إثيوبيا في الملء الخامس ستعوضه المياه السودانية والتي حافظت على توازن بحيرة ناصر العام الماضي وربما أيضًا العام المقبل".

سد النهضة

شهد العام 2011 انطلاق العمل في سد النهضة الإثيوبي بتكلفة 4 مليارات دولار، ليكون بذلك أكبر سد للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، حيث يبلغ عرضه 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترًا.

وبحسب التوقعات الإثيوبية من المنتظر أن ينتج السد عندما يعمل بكامل طاقته 5000 ميغاواط، وهو ضعف الإنتاج الحالي للبلاد، مع سعة تخزين إجمالية تبلغ 74 مليار متر مكعب.

العمل بالسد أثار احتجاجًا قويا من السودان ومصر على المشروع الذي يعتبرانه يهدد إمداداتهما من مياه النيل، وتطالب الخرطوم والقاهرة إثيوبيا بوقف عمليات الملء، في انتظار التوصل إلى اتفاقٍ ثلاثي حول أساليب تشغيل السد.

وترى "رويترز" أن التضامن المصري السوداني انفض في العام الماضي، عندما قال قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في كانون الثاني/يناير 2023 إنه وافق "على جميع النقاط" مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد بشأن السد.

في المقابل، تؤكد مصر على حقها التاريخي في مياه النيل الذي تعتمد عليه لتلبية 97% من احتياجاتها المائية، وتصرّ أن سد النهضة يمثل تهديدًا "جوديًا" لها.

في المقابل قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الأحد الماضي على منصة إكس إن: "سد النهضة الإثيوبي الكبير يؤدي دورًا حاسما في إدارة تدفق المياه، والتخفيف من مخاطر الفيضانات وضمان إمدادات ثابتة من المياه لدول المصب، خاصةً خلال فترات الجفاف". مؤكدًا أن هذا "سيؤدي إلى تحسين الإنتاجية الزراعية بشكلٍ كبير، وتعزيز إنتاج الكهرباء وتحسين استخدام الموارد في جميع أنحاء المنطقة" وفق تعبيره.