لا يمكن الجزم بأنّ دونالد ترامب حسم السباق الرئاسي لصالحه إثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها في بنسلفانيا، أثناء إلقائه خطابًا سياسيًا وسط تجمعٍ سياسي لأنصاره، لكنّ الأمر المؤكد حتى اللحظة أنّ المرشح الجمهوري وحملته الانتخابية ومناصريه بدأوا في عملية الاستثمار السياسي للحادثة من أجل تحويلها إلى رصيدٍ انتخابي إضافي لصالحه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الرئاسية، وذلك عبر الهجوم على منافسه جو بايدن وتحميله وحملتَه مسؤولية محاولة الاغتيال بفعل "شيطنتهم المستمرة لترامب"، حسب أنصار الرئيس السابق المعروف باستخدام قاموسٍ عنيفٍ ومسيء في خطاباته السياسية.
وعلى الرغم من أهمية التأثيرات السياسية، ولا سيما الانتخابية للحادثة، حرصت إدارة بايدن، على توجيه الأنظار صوب مخاوفَ ذاتِ صلةٍ بتأجيج العنف السياسي في البلاد قبل أشهر قليلة من الانتخابات.
نزع فتيل التوتر
ولنزع فتيل مثل هذا التوتر المحتمل، تحدث الرئيس جون بايدن في الساعة الأولى للهجوم، مندّدًا به، وواصفًا إياه بأنه "عنفٌ سياسي غير مقبول"، كما سحب، حسب مصادر مختلفة، جميع الإعلانات الانتخابية التي تهاجم ترامب.
وقال بايدن للصحفيين: "لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف. إنه أمر مقزز". كما حرص بايدن على إظهار التضامن مع منافسه، قائلًا: "أنا ممتن لسماع أنه آمن وبصحة جيدة. أصلي من أجله ومن أجل عائلته ومن أجل جميع الذين كانوا ضمن التجمع". كما علق الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما قائلًا: "لا مكان على الإطلاق للعنف السياسي في ديموقراطيتنا".
سارعت حملة ترامب إلى ركوب الموجة ودفعت بالهجوم السياسي على المنافسين إلى مداه، عبر تحميل الديمقراطيين مسؤولية الهجوم وجعل ترامب بطلًا خارقًا
ويبدو بايدن بهذه الخطوات، حريصًا على إظهار، صورته "كحكيم" وكقائد معني بالاستقرار بدرجةٍ أولى، وليس بالسباق الرئاسي الذي كان محط تركيز خطة خصومه الجمهوريين. فهل تكون استراتيجيته بايدن هذه كفيلةً بتحسين حظوظه الانتخابية لدى الأميركيين؟
لا تبدو تأكيدات الديمقراطيين، وعلى رأسهم بايدن على موضوع العنف السياسي، مجرد هروبٍ نحو الأمام، فالولايات المتحدة تواجه حاليًا "أكبر موجةٍ في أعمال العنف ذات الدوافع السياسية وأكثرها استمرارية منذ سبعينيات القرن الماضي".
إذ نفّذ "مهاجمون يمينيون 13 من بين 14 هجومًا سياسيًا تسببت في سقوط قتلى أو مصابين، منذ اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول الأميركي في السادس من كانون الثاني/يناير 2021، بينما شن يساري هجومًا واحدًا"، حيث من الملاحظ أن لمرتكبي جميع هذه الهجمات أو المشتبه بهم في ارتكابها "انتماءاتٌ حزبية واضحة".
حرص جمهوري على الحسم قبل الموعد الانتخابي
سارعت حملة ترامب إلى ركوب الموجة، ودفعت بالهجوم السياسي على المنافسين إلى مداه، حيث قال السناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو والمرشح لمنصب نائب الرئيس في حال فوز ترامب، جيمس ديفيد فانس، إنّ "ما حدث ليس مجرد واقعة منفردة. الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن الرئيس دونالد ترامب فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن. وأدى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب"، على حدّ وصفه.
يشار ههنا إلى أنّ دوافع الشاب توماس ماثيو كروكس الذي نفذ الهجوم، لم تعرف بعد، خاصةً أن سجلات الناخبين بولاية بنسلفانيا تُظهر أنه جمهوري، "من منطقة بيثيل بارك وسبق أن تبرع بمبلغ 15 دولارًا إلى لجنة عمل سياسية تجمع الأموال للساسة ذوي الميول اليسارية والديمقراطيين".
كما سارعت حملة ترامب، في غضون ساعات من حادثة إطلاق النار عليه، إلى مطالبة الناخبين بالمساهمة في الحملة. وجاء في الرسالة التي وجهتها الحملة: "إنهم لا يلاحقونني، بل يلاحقونكم".
وبدأ أنصار ترامب عملية ترميزه (تحويله إلى رمز سياسي) عبر وصفه بالبطل الخارق، ورفع صورته ووجه ملطّخ بالدماء وقبضته مرفوعة، وكأنه يردد شعار "قاتلوا".
وقال كريس لاتشيفيتا، المدير المشارك لحملة ترامب، على منصة إكس: "منذ سنوات وحتى اليوم، يدلي الناشطون اليساريون والمتبرعون لحملة الحزب الديمقراطي، والآن حتى جو بايدن، بتصريحات وأوصاف مثيرة للاشمئزاز متعلقة بواقعة إطلاق النار على دونالد ترامب. حان وقت محاسبة المسؤولين عن ذلك. وأفضل سبيل لذلك يكون عبر صناديق الاقتراع".
ويعتقد أن المدير المشارك في حملة ترامب لاتشيفيتا يشير إلى تصريحاتٍ أدلى بها بايدن في الآونة الأخيرة، طالب فيها مؤيديه بالتركيز على التغلب على ترامب بدلًا من التركيز على أدائه. وقال بايدن ، "لقد انتهينا من الحديث عن المناظرة، وحان الوقت لوضع ترامب في دائرة الضوء".
وبات من المتوقع، في المدى القصير على أقل تقدير، أن تزيد حادثة الهجوم من مستوى التأييد لترامب "خلال مؤتمر الحزب الجمهوري الذي يعقد في ميلووكي في ولاية ويسكونسن"، اليوم الإثنين ويستمر حتى الأربعاء، حيث من المتوقع أن يشهد المؤتمر اعتماد الحزب ترشيح ترامب رسميًا لخوض سباق المنافسة للوصول إلى البيت الأبيض، أمام بايدن الذي يشكك بعض الديمقراطيين في قدرته على الفوز والمنافسة.
وبالفعل سارع بعض رجال الأعمال بينهم المليارديران إيلون ماسك وبيل أكمان إلى التعبير عن تأييدهما لترامب. وقال ماسك عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس، التي يملكها: "أنا أؤيد الرئيس ترامب بشدة، وأرغب في شفائه سريعًا".
يحرص دونالد ترامب منذ خسارته للانتخابات 2022 على التشديد أنه مستهدف من طرف "الدولة العميقة" وإدارة بايدن، وذلك. من أجل منعه من العودة إلى السلطة
ويتوقع الخبير الاستراتيجي الديمقراطي براد بانون أنّ "إطلاق النار يمكن أن يفيد ترامب سياسيًا لأنه يدعم رواية حملته الانتخابية بأن البلاد خرجت عن المسار الصحيح".
وأضاف بانون أنّ "محاولة الاغتيال تثير التعاطف مع ترامب، كما أنها تؤكد للناخبين فكرة أن هناك شيئًا خاطئًا بشكل أساسي في هذه الأمة، وهي فكرة تعزز الدعم له".
أما ترامب فتعهد بالاستمرار في حملته الانتخابية "دون خوفٍ"، ووعد مؤيديه بمخاطبتهم هذا الأسبوع من ولاية ويسكونسن. وحث الأميركيين على "التوحد وإظهار شخصيتهم الحقيقية وعدم ترك الشر ينتصر" وفق تعبيره.
ويحرص ترامب منذ خسارته للانتخابات 2022 على التشديد أنه مستهدف من طرف "الدولة العميقة" وإدارة بايدن، لمنعه من العودة إلى السلطة. ودأب ترامب طيلة حملته على استخدام قاموس سياسي عنيف مليئ بالإهانات والشتائم والتحذير من المؤامرة، حيث حذّر من "حمام دم" إذا لم يفز في الانتخابات. ونال المهاجرون قسطهم من عنفه، حيث سبق أن قال "إن المهاجرين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة يسممون دماء بلادنا".
ويحذر جمهوريون من خطاب ترامب العنيف، وفي هذا الصدد قال تشيب فيكل، وهو ناشط جمهوري في ولاية ثاوث كارولينا ومن معارضي ترامب: "إذا لم تكن البلاد برميل بارودٍ من قبل، فهي الآن كذلك".