14-أغسطس-2024
متظاهرون ضد نتنياهو أمام الكنيست الإسرائيلي

(AP) أثارت سياسات نتنياهو انقسام الإسرائيليين

في موقف جديد، حذر رئيس حزب معسكر الدولة الإسرائيلي، بيني غانتس، من اندلاع حرب أهلية في إسرائيل بسبب السياسات السامة لحكومة بنيامين نتنياهو.

وقال غانتس، في منشور على منصة "إكس"، إنه: "إذا لم نعد إلى رشدنا ستندلع هنا حرب أهلية، ولا ينبغي طمس الحقيقة"، معتبرًا أن هناك: "قيادة تنفر الناس وتسمم البئر الذي نعيش منه"، على حد توصيفه.

واعتبر غانتس أن أحد تمظهرات الحرب الأهلية في إسرائيل يتمثل في قيام: "أعضاء كنيست بقيادة عمليات اقتحامٍ لقواعد عسكرية، في الوقت الذي يقاتل الجيش الإسرائيلي العدو"، وفق تعبيره.

أما تمظهرها الثاني، فيتمثل حسب وجهة نظره، في: "إهدار كرامة العائلات الثكلى وأهالي المختطفين عبر قوات الشرطة خلال المظاهرات، بالإضافة إلى تصنيف الموظفين الحكوميين المخلصين خونة".

تحدثت تقارير عديدة عن وجود ما يشير إلى أن إسرائيل قد تدخل في حرب أهلية نتيجة انقسام المجتمع بين معسكرين يقود اليمين المتطرف أحدهما

وكان عدد من أعضاء الكنيست، رفقة متظاهرين من اليمين المتطرف، وجنود ملثمين، اقتحموا أواخر تموز/يوليو الماضي قاعدة "سديه تيمان" في النقب احتجاجًا على اعتقال الشرطة العسكرية 9 جنود متهمين بالاعتداء الجنسي على أسير فلسطيني، قبل أن يقتحموا قاعدة بيت ليد حيث تم نقل الجنود المتهمين للتحقيق معهم، محاولين إطلاق سراحهم بالقوة.

مستقبل قاتم لإسرائيل

بالتزامن مع تصريحات غانتس، توقع تقرير نشرته مجلة "فورين آفيرز" الأميركية، مستقبلًا قاتمًا ينتظر إسرائيل بعد نهاية حرب غزة، حيث ستصبح في طريقها إلى أن تكون أكثر استبدادًا وستكون دولةً منبوذة على الصعيد الدولي مع خسارة العديد من الحلفاء، عدا عن المخاوف من أن تشهد حربًا أهلية وأن تتحول إلى دولة فاشلة.

واعتبر تقرير "فورين أفيرز" الذي أعدّه الباحثان إيلان زيد بارون، أستاذ السياسة الدولية والنظرية السياسية بجامعة دَرْهَم البريطانية، وإلاي زيد سولتزمان، الأستاذ المشارك بالدراسات الإسرائيلية بجامعة ميريلاند الأميركية؛ أنّ: "الرؤية التي تم على أساسها إنشاء دولة إسرائيل في أيار/مايو 1948 وتأكيد إعلان الاستقلال، على أن الدولة ستضمن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، لم تتحقق".

ولفت التقرير إلى أنه بعد ما يقرب من عقدين من الزمان منذ توقيع الإعلان: "عاش الفلسطينيون في إسرائيل تحت الأحكام العرفية. ولم تكن إسرائيل قادرةً على حل التناقض بين المبدأ العالمي لإعلان الدولة والحاجة الضيقة لإنشاء إسرائيل كدولة يهودية لحماية اليهود فقط".

ويشير الكاتبان إلى أنه وعلى مدى عقود من الزمان: "برز هذا التناقض الجوهري مرارًا وتكرارًا، مما أدى إلى اضطراباتٍ سياسية شكلت وأعادت تشكيل المجتمع والسياسة في إسرائيل دون حل هذا التناقض على الإطلاق".

 ولكن الآن، بعد الحرب في غزة والأزمة القضائية التي سبقتها، أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى الاستمرار على هذا النحو، الأمر الذي دفع إسرائيل نحو نقطة الانهيار.

وتوصّل الكاتبان إلى أن إسرائيل: "تسير على مسار متزايد من اللاليبرالية والعنف والتدمير. وما لم تغير مسارها، فإن المثل الإنسانية التي قامت عليها سوف تختفي تمامًا مع انجراف إسرائيل نحو مستقبل أكثر قتامة، حيث تحدد القيم اللاليبرالية الدولة والمجتمع".

خسارات

لا مراء في أنّ إسرائيل بهذه النسخة المتطرفة ستكون أكثر استبدادًا مع الفلسطينيين بل وأيضًا مع مواطنيها. وبناءً على ذلك قد تخسر بسرعة، حسب المحللين، العديد من أصدقائها وتصبح منبوذةً. ومع عزلتها عن العالم، قد تستهلكها الاضطرابات في الداخل مع اتساع الشقوق التي تهدد بتفكك البلاد نفسها، مع الإشارة إلى أنّ هجمات السابع من شرين الأول/أكتوبر 2023 جاءت في وقتٍ كانت تواجه فيه إسرائيل بالفعل حالةً من عدم الاستقرار الداخلي الهائل.

وقد سمح النظام الانتخابي في البلاد، الذي يعتمد على التمثيل النسبي، في العقود الأخيرة، بدخول المزيد من الأحزاب السياسية المتطرفة إلى الكنيست. ومنذ عام 1996، كانت هناك 11 حكومة مختلفة، بمعدل حكومة جديدة كل عامين ونصف العام، ستة منها بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

ستكون إسرائيل بنسختها المتطرفة هذه أكثر استبدادًا مع مواطنيها، وكذلك مع الفلسطينيين الذين تشن حكومة نتنياهو حرب إبادة جماعية مفتوحة ضدهم

وفي الفترة ما بين عامي 2019 و2022، اضطرت إسرائيل إلى إجراء خمس انتخابات عامة. ولعبت الأحزاب السياسية الصغيرة أدوارًا رئيسية في تشكيل الحكومات وإسقاطها، حيث مارست نفوذًا غير متناسب. وبعد الانتخابات الأخيرة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، شكّل نتنياهو حكومة بدعم من الأحزاب السياسية وقادة من أقصى اليمين المتطرف.

وفي عام 2023، دفع نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف نحو مشروع قانون للإصلاح القضائي يهدف إلى الحد بشكل كبير من إشراف المحكمة العليا على الحكومة. وكان نتنياهو يأمل أن يحميه الإصلاح المقترح من قضية جنائية جارية ضده. كما أراد حلفاؤه المتشددون أن يمنع الإصلاح تجنيد الآلاف من طلاب المدارس الدينية الذين تم إعفاؤهم منذ فترة طويلة من الخدمة العسكرية.

وقد أثار الإصلاح القضائي المقترح احتجاجاتٍ ضخمة في جميع أنحاء البلاد، وكشف عن مجتمعٍ منقسم بعمق بين: "أولئك الذين يريدون أن تظل إسرائيل دولةً ديمقراطية ذات قضاء مستقل وأولئك الذين يريدون حكومةً يمكنها أن تفعل ما يحلو لها تقريبًا".

ويحاول الائتلاف الحاكم حاليًا إحياء بعض عناصر الإصلاح القضائي الذي تم تمرير نسخة منه في الكنيست في تموز/يوليو 2023، قبل أن تُلغى من قبل المحكمة العليا في بداية هذا العام، مع استمرار الحرب في غزة.

ولفت الكاتبان إلى إن الاحتجاج على الإصلاح القضائي الذي كشف عن مخاوف داخل إسرائيل بشأن طبيعة الديمقراطية في البلاد: "لم يثر أي تساؤلات حول مسؤولية إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال"، إذ إن العديد من الإسرائيليين يرون أن معاملة بلادهم للفلسطينيين منفصلة عن عملها كديمقراطية. فقد تسامح الإسرائيليون لفترة طويلة مع العنف الذي يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين، إن لم يكن يقرونه. وفي انتهاك للقانون الدولي، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها في الضفة الغربية والقدس الشرقية ما يشبه الأحكام العرفية.

وأشرفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، الأمر الذي يعرض للخطر إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة في المستقبل.

العجز

إن الحرب في غزة، حيث قَتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 40,000 شخص: "كشفت عن دولة تبدو عاجزةً أو غير راغبة في دعم الرؤية الطموحة التي تضمنها إعلان الاستقلال"، حسب تقرير "فورين آفيرز".

واعتبر التقرير أيضًا أنّ إسرائيل في مسارها الحالي: "تنحرف نحو اتجاه غير ليبرالي إلى حد كبير، ذلك أن التحول اليمينيّ المتطرف الذي تشهده إسرائيل حاليًا، والذي يتبناه الساسة فضلًا عن العديد من ناخبيهم، قد يؤدي إلى تحول إسرائيل إلى نوع من الدولة الدينية القومية العرقية، التي يديرها مجلس قضائي وتشريعي يهودي ومتطرفون دينيون من اليمين".

وفي هذا الصدد، استعرض التقرير عددًا من السياسيين القوميين المتشددين الذين يدعون صراحةً إلى دولةٍ يلعب فيها الدين دورًا كبيرًا، ومن بينهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وأفي ماعوز، وهم جميعًا لاعبون رئيسيون في حكومة نتنياهو الائتلافية، وقد وصفهم التقرير بأنهم شخصيات تمثل شريحةً جديدة نسبيًا ولكنها تحظى بنفوذ متزايد.

وحسب وجهة التقرير، فإنّ إسرائيل التي يهيمن عليها اليمين المتطرف قد أصبحت بالفعل معزولةً على نحو متزايد على المستوى الدولي، وتسعى العديد من المنظمات الدولية إلى اتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية عقابية ضدها.

ولقد وجّهت قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية ورأيها الأخير بشأن عدم شرعية الاحتلال، وطلبات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، والعديد من المزاعم ذات المصداقية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ضربةً قوية لمكانة إسرائيل العالمية.

تعيش إسرائيل أوضاعًا قد تقودها إلى حرب أهلية، أو تجعل منها دولة فاشلة ومنبوذة دوليًا

وحتى مع دعم الحلفاء الرئيسيين، فإن التأثير التراكمي للرأي العام السلبي، والتحديات القانونية، والتوبيخ الدبلوماسي من شأنها أن تعمل على تهميش إسرائيل بشكل متزايد على الساحة العالمية.

ومع أن التقرير توقع أن إسرائيل غير الليبرالية سوف تظل تتلقى الدعم الاقتصادي من عدد قليل من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلا أنه أشار إلى أنها سوف تكون معزولةً سياسيًا ودبلوماسيًا عن معظم بقية المجتمع العالمي، بما في ذلك أغلب بلدان مجموعة الدول السبع. وسوف تتوقف هذه البلدان عن التنسيق مع إسرائيل في المسائل الأمنية، وعن المضي قدمًا في عقد اتفاقيات تجارية مع إسرائيل، وشراء الأسلحة.

ومن المرجح أن ينتهي الأمر بإسرائيل إلى الاعتماد كليًّا على الولايات المتحدة وتصبح عُرضة للتحولات في المشهد السياسي الأميركي في وقتٍ يتساءل فيه عدد متزايد من الأميركيين عن دعم بلادهم غير المشروط للدولة اليهودية.

دولة فاشلة

يؤكد تقرير "فورين آفيرز" أنه إذا تمكن نتنياهو وحلفاؤه من تحقيق أهدافهم، فإن الديمقراطية الإسرائيلية سوف تصبح جوفاء وإجرائية، مع تآكل الضوابط والتوازنات الليبرالية التقليدية بسرعة. وهذا من شأنه أن يضع البلاد على مسار غير مستدام من المرجح أن يؤدي إلى هروب رأس المال وهجرة الأدمغة وتعميق التوترات الداخلية.

ومع تزايد الاستبداد في إسرائيل، فإن هذا التحول غير الليبرالي لن يخفي الانقسامات المتنامية داخل المجتمع الإسرائيلي. وسوف تفقد الدولة بشكل متزايد احتكارها للاستخدام المشروع للقوة، وقد تشتعل الانقسامات إلى حد الحرب الأهلية.

ورسم التقرير في نهايته صورةً قاتمة لما قد تبدو عليه إسرائيل التي قد تتحول إلى: "نوع من الكيان المقسّم إلى أجزاء حيث تعمل العناصر اليمينية الدينية والقومية على بناء دولتها الفعلية، على الأرجح في مستوطنات الضفة الغربية. أو قد تشهد تمردًا للمتطرفين الدينيين والقوميين المتطرفين من شأنه أن يقسم إسرائيل في حرب أهلية عنيفة بين جناح اليمين الديني المسلح وأجهزة الدولة القائمة".

ويذهب التقرير في خلاصته إلى أنّه حتى مع عدم اندلاع الحرب الأهلية، فإن هذا الوضع: "سوف يظل غير مستقر، وسوف ينهار الاقتصاد، وتصبح إسرائيل دولة فاشلة".