01-أغسطس-2024
عرض عسكري روسي

(AFP) عرض عسكري روسي

باتت معاهدة القوى النووية الموقعة بين واشنطن وموسكو عام 1987 في مهب الريح. فالمعاهدة التي تحظر على الجانبين نشر منصات صواريخ قصيرة أو متوسطة المدى تُطلَق من البر في أوروبا، لم يعد معمولًا بها إلا نظريًا في ظل اتهام كل طرف للآخر بانتهاكها، لا سيما مع قرار الولايات المتحدة الأخير نشر أنظمة صواريخ طويلة المدى في ألمانيا، وإعلان موسكو أنها ستتوقف عن تنفيذ وقفٍ اختياري من جانب واحد لنشر أسلحة هجومية متوسطة وقصيرة المدى في حال ظهور صواريخ أميركية طويلة المدى في ألمانيا.

رد روسيا المتدرّج

تخاطر موسكو وواشنطن على خلفية القرارات بنشر الصواريخ بإشعال أزمة صواريخ على غرار تلك التي حدثت أثناء الحرب الباردة، حيث أكدت الولايات المتحدة، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة بواشنطن، أنها ستنشر صواريخ طويلة المدى وعالية الدقة ـ بمقدورها أن تصل عمق الأراضي الروسية ـ على أراضي ألمانيا اعتبارًا من عام 2026.

وفي المقابل، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده: "ستكون في حِلٍّ من الوقف الأحادي المفترض سابقًا لنشر الأسلحة الهجومية المتوسطة والقصيرة المدى، بما في ذلك زيادة قدرات القوات الساحلية للبحرية الروسية".

وعزا بوتين قراره إلى أنه: "ستكون هناك مرافق مهمة للحكومة الروسية والإدارة العسكرية ومراكز إدارية وصناعية وبنى تحتية دفاعية". مضيفًا أن: "زمن الرحلة لمثل هذه الصواريخ إلى أهداف على أراضينا، والتي قد تكون مجهزةً في المستقبل برؤوس حربية نووية، سيكون حوالي عشر دقائق".

ستبدأ روسيا في ردها المتدرج بإنتاج صواريخ متوسطة وقصيرة المدى، مع اتخاذ قرارات بشأن أماكن نشر هذه الصواريخ الهجومية

ومع تصريحات بوتين هذه، بدا أن روسيا حسمت أمرها أكثر لتبنّي خطوات إضافية ردًا على مخططات واشنطن وقرارها نشر الصواريخ الأميركية في ألمانيا. وكرد روسي على هذه الخطوة المحتملة، ستبدأ روسيا، حسب تصريحات للكرملين، في إنتاج صواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وتبني قرارات بشأن أماكن نشر هذه الصواريخ الهجومية، ردًا على إنتاج الولايات المتحدة صواريخ متوسطة وقصيرة المدى وتسليمها إلى أوروبا وعزمها نشر الصواريخ الأميركية في ألمانيا.

وتتهم روسيا الولايات المتحدة بنشر منظومات صاروخية في أكثر من بلدٍ أوروبي، بينها الدنمارك التي تدعي موسكو أن واشنطن نشرت فيها منصة إطلاقٍ أرضية لصواريخ متوسطة وقصيرة المدى من نظام الصواريخ الحاوية أم كا 70، وذلك خلال تدريبات عسكرية في بورنهولم في الدنمارك. وفي السادس من أيار/مايو 2024، قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إنه نظرًا إلى أن الولايات المتحدة: "اتخذت بشكل علني وواضح طريق نشر أنظمة صاروخية مماثلة في مناطق مختلفة من العالم"، فإن روسيا: "ستكثف التطوير وستبدأ في إنتاج" أنظمة مماثلة.

وأشار بيان وزارة الخارجية الروسية، حينها، إلى نشر واشنطن منظومتين صاروخيتين أثناء المناورات مع الدنمارك، وذكرت أنه على الرغم من أن الهدف المعلن "حماية الملاحة البحرية وتأمينها"، فإن خصائص البطاريات المستخدمة للإطلاق تسمح بإطلاق صواريخ Raytheon Standard SM-3 وSM-6 متعددة الأغراض وصواريخ كروز توماهوك. وذكرت الوزارة أنه رغم أن مدى الأول أقل من القيود المنصوص عليها في معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، لكن الولايات المتحدة تعمل على زيادة مداه، فيما يخضع توماهوك لبنود اتفاقية الحدّ من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى لأن مداه 1.8 ألف كيلومتر.

يشار إلى أنّ وزارة الدفاع الدنماركية نفت في 29 حزيران/يونيو الماضي، نشر أي صواريخ متوسطة المدى على أراضيها في جزيرة بورنهولم في بحر البلطيق. وذكرت وزارة الدفاع الدنماركية أن الأنظمة الصاروخية التي تم التدريب عليها في بورنهولم ليست كما صورها بوتين ومسافتها أقصر بكثير (لا تدخل في مجال معاهدة حظر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى 500-5500 كيلومتر)، وأوضحت أنها استخدمت في مناورات هدفها تأمين الحماية البحرية للجزيرة الدنماركية الواقعة في بحر البلطيق.

ردع حقيقي

أما ألمانيا فتدافع بقوة عن نشر صواريخ أميركية طويلة المدى على أراضيها. وفي هذا الصدد، قال قال وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، على هامش زيارته لولاية هاواي الأمريكية الثلاثاء الماضي، إنه ليس هناك ما يمنع التحدث علنًا في البرلمان الألماني (بوندستاغ) عن نشر أسلحة أميركية بعيدة المدى في ألمانيا، مضيفًا: "لكنها ليست في الأصل قضيةً نحتاج إلى مناقشتها في البرلمان مسبقًا. كما أنه لا يمكن مقارنتها بقرار المسار المزدوج الذي اتخذه حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ثمانينيات القرن الماضي. لذلك يجب علينا أن نبقي الأمور هنا منفصلةً بعناية".

وذكر الوزير الألماني أن روسيا تمتلك أسلحةً من هذا النوع وغيرها من الأسلحة ذات المدى المختلف منذ فترة طويلة، مضيفًا أن موسكو انتهكت وأنهت معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى، التي تنظم الأنظمة النووية متوسطة المدى.

وقال بيستوريوس إن نشر أسلحة بعيدة المدى ذات رؤوس حربية تقليدية يتعلق الآن "بردعٍ حقيقي"، وأضاف: "يتعلق الأمر الآن بسد هذه الفجوة من جانبنا، ليس لتهديد أحد، ولكن لتوضيح أن أي هجوم محتمل على أراض تابعة للناتو - على حلفاء الناتو - سيكون له ثمن باهظ بالنسبة لروسيا، بحيث لا يمكن بعدها حساب المخاطر".