29-يوليو-2024
مجدل شمس- رويترز

خلال التشييع في مجدل شمس (رويترز)

انقسمت المواقف في إسرائيل بين قائلٍ بضرورة تدفيع حزب الله اللبناني ثمنًا باهظًا، ولو اضطر ذلك لفتح جبهة جديدة، وبين محذّرٍ من تجاوز قواعد الاشتباك ما قد يكلف إسرائيل ثمنًا باهظًا آخر ليست مستعدةً لدفعه.

ويأتي هذا الانقسام في آراء المسؤولين الإسرائيليين على خلفية عملية مجدل شمس بالجولان المحتل، التي نفى حزب الله بشكلٍ قاطع مسؤوليته عنها.

وكان صاروخ "مجهول" قد وقع في ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل حين كان عدد من الفتية يلعبون فيه، وأسفر سقوط الصاروخ عن مقتل 12 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عامًا، وإصابة نحو 30 آخرين من سكان القرية الدرزية.

وحمّلت إسرائيل على الفور حزب الله مسؤولية الهجوم، وقال الجيش الإسرائيلي إن الصاروخ الذي انفجر في ملعب كرة القدم إيراني من نوع "فلق 1" برأس حربي يزن 53 كيلوغراما، مشيرًا إلى أن الصاروخ أطلق من جنوب لبنان، ولا يملك مثل هذا النوع من الصواريخ "إلا حزب الله".

ونفى حزب الله أن يكون استهدف القرية مع الإشارة إلى أنّ  مجدل شمس ومحيطها لم تكن من القرى العربية التي قد شهدت منذ بدء الاشتباكات الحدودية في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي سقوط صواريخ أطلقها الحزب أو فصائل المقاومة في لبنان. كما أنها قرية جميع سكانها من الدروز السوريين، ولا تضم مستوطنين، وهي بذلك لا تعد عمليًا هدفًا لصواريخ حزب الله.

تُسخّن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الأجواء لشن حربٍ واسعة مع حزب الله في لبنان، وهو سيناريو إن حدث فيعني التخلي عن قواعد الاشتباك الضمنية التي استمرت طوال 10 أشهر من المعارك الجارية بين الطرفين

ويرجح بعض الخبراء العسكريين أحد احتمالين؛ الأول أن يكون الصاروخ أطلق من جنوب لبنان فعلًا، ولكن حدث به خلل فني فسقط في مجدل شمس، والاحتمال الثاني أن يكون أحد صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية ضلّ طريقه فسقط في القرية وتسبب في مقتل الفتية.

إسرائيل ترفع الجاهزية

أعلنت إسرائيل أمس الأحد عن رفع جاهزيتها القتالية في الشمال، كما قطع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رحلته في الولايات المتحدة، وتوجه فور وصوله لإسرائيل إلى اجتماع لمجلس الوزراء الأمني لبحث الرد على حزب الله.

في المقابل بادر حزب الله إلى إخلاء بعض المواقع المهمة في جنوب لبنان وفي سهل البقاع شرق البلاد تحسبًا لشن إسرائيل هجومًا، وفق تصريحات مسؤولين أمنين لرويترز.

وتدفع هذه التحركات إلى ترجيح أن تتسبب عملية مجدل شمس في نشوب حرب شاملة بين حزب الله وبين إسرائيل، قد تتوسع إلى حربٍ إقليمية تشارك فيها إيران.

وكانت لهجة التصعيد الأقوى في إسرائيل تلك التي تحدث بها وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي إيلي كوهين عندما قال إن "لبنان يجب أن يحترق. علينا أن نقوم بعمل كبير في الشمال، وهو ما سيكلف لبنان وحزب الله ثمنًا باهظا" على حد تعبيره.

بدوره أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن "هجوم حزب الله تجاوز كل الخطوط الحمر وسيكون الرد وفقًا لذلك".

أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فطلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "شن حرب على حزب الله فورًا"، فيما توعّد وزير الأمن يوآف غالانت بضرب حزب الله اللبناني في "كل مكان نحتاج لضربه فيه" وفق قوله.

هل تتجه المنطقة إلى حرب جديدة أم تغيير جديد لقواعد الاشتباك؟

تشي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب بأنّ إسرائيل تسخن الأجواء لشن حربٍ واسعة مع حزب الله في لبنان، وهو سيناريو إن حدث، فسيعني تخليًا عن قواعد الاشتباك الضمنية التي استمرت طوال 10 أشهر من المعارك الجارية بين الطرفين، كما يهدد بتطور الأوضاع إلى حربٍ إقليمية شاملة.

وفي هذا الصدد اعتبر الكاتب عاموس هارئيل، في مقال بصحيفة هآرتس، أنّ "إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقتٍ مضى إلى حرب شاملة"، لكن هارئيل "استبعد وقوع الحرب لاعتبارات مختلفة بينها وضع الجيش والحالة الاقتصادية والمخاوف من حرب إقليمية"، مشيرا إلى أن "إسرائيل سترد على الهجوم ولكن ليس بالطريقة التي ستجلب الحرب" وفق تعبيره.

كما أشار محللون آخرون إلى أن الحادث قد يكون بالفعل الشرارة التي قد تمهد لمواجهة شاملة، لكن الجانبين (إسرائيل وحزب الله) لا يرغبان في التصعيد إلى هذه الدرجة على الأقل في الوقت الراهن، كما أن إسرائيل، حسب هذه القراءة التحليلية، لو كانت معنيةً بدخول حرب شاملة على الجبهة الشمالية لفعلت ذلك مبكرًا، لأن ما كان يحصل فعليا خلال المعارك الماضية يعد كافيًا للذهاب إلى حرب أشمل إذا كانت تريد ذلك.

وتتحكّم في معادلة الصراع منذ تموز/يوليو 2006 معادلة ردعٍ متبادل، أفرزت عمليًا قواعد اشتباك متفقًا عليها ضمنيًا، ومنعت اندلاع حرب شاملة جديدة طوال نحو عقدين، وما زالت تسيّر المعارك الدائرة حاليًا، وشهدت قواعد الاشتباك غير الصريحة رفعًا لسقفها بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.