25-يونيو-2024
جيش الاحتلال الإسرائيلي

نتنياهو وقيادات الجيش (منصة إكس)

تحدثت صحيفة هآرتس عن مأزق متعدد الأبعاد تتخبّط فيه القيادة الحالية لإسرائيل، فمن ناحية تبين أنّ الجيش عاجزٌ عن حسم المعركة في غزة وتحقيق النصر الشامل، ومن ناحية ثانية باتت إسرائيل على حافة حربٍ شاملة في الجبهة الشمالية مع حزب الله، ومن ناحية ثالثة توشك الأوضاع في الضفة الغربية على الانهيار بسبب تضييق الخناق عليها.

وفي هذا الوقت الحرج بالضبط إسرائيليًا، اختار نتنياهو، حسب تحليل هآرتس، مهاجمة إدارة بايدن علنًا بسبب تأخيرها شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وما ذلك حسب الصحيفة الإسرائيلية، إلا لتلبية احتياجات قاعدته اليمينية وحلفائه في الحكومة من اليمين المتطرف.

وأمام هذه الوضعية من التوتر غير المسبوق في العلاقة مع واشنطن، حزم وزير الدفاع حقائبه متوجهًا إلى الولايات المتحدة، حيث سيبذل جهودًا لحل أزمة تسليم الأسلحة الناتجة عن التصرفات والتصريحات غير المدروسة لنتنياهو.

 وبحسب تحليل هآرتس الذي أعده عاموس هارئيل، فإن سلسلة التسريبات والتصريحات في الأيام القليلة الماضية، تعكس التصعيد المستمر على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية.

وإلى حد كبير، تهدف التهديدات المتبادلة إلى ردع الطرف الآخر عن شن حرب واسعة النطاق، مع الإشارة إلى أنه ليس من المؤكد أن التهديدات المتبادلة ستحقق هدفها. فما تحقق، حسب هآرتس، هو تكثيف الإجراءات والتحذيرات التي قد تتدهور إلى تصعيد كبير.

اختار نتنياهو مهاجمة إدارة بايدن علنًا بسبب تأخير شحنات الأسلحة، وذلك لتلبية احتياجات قاعدته اليمينية وحلفائه من اليمين المتطرف

التقى، الأسبوع المنصرم، وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، بنظرائهم في إدارة بايدن في واشنطن.

وبعد الاجتماع، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية قولهم إن الولايات المتحدة وعدت إسرائيل بأنها في حالة نشوب حرب في لبنان، ستقوم بسرعة بتزويدها بجميع الذخائر التي تحتاجها.

وكانت وسائل إعلام مختلفة أفادت أن البنتاغون يرجّح أن إسرائيل تدرس شنّ عملية برية في جنوب لبنان، في منتصف تموز/يوليو المقبل، وأنّ الإدارة الأميركية تحاول منع تصعيد الصراع على الجبهة الشمالية.

ومساء السبت، نشر حزب الله مقطعًا جديدًا هدد فيه أمينه العام حسن نصر الله بضرب مواقع استراتيجية في إسرائيل، بعد تصوير خليج حيفا وميناء أشدود ومنشأة ديمونة النووية.

وتقول الصحيفة العبرية في هذا الصدد إنّ "أحد مخاطر مثل هذه "العدوانية" هو أن أحد الأطراف قد يقتنع بأن خصمه يخطط لشن هجوم قريبًا، وعندها سيتعين عليه أن يقرر ما إذا كان سيشن هجومًا مفاجئا سيؤدي إلى حرب شاملة".

وفي الخلفية، حسب هآرتس، هناك مسألة المساعدات الدفاعية الأميركية لإسرائيل. ففي الأسبوع الماضي، اتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوةً غير عادية بإصدار مقطع فيديو يهاجم الرئيس الأميركي جو بايدن والإدارة لتأخير تسليم 3500 قنبلة دقيقة التوجيه إلى القوات الجوية. وقد تأخرت الشحنة لمدة شهرين، بسبب التحفظات الأميركية بشأن عملية جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح، ولكن جيش الدفاع الإسرائيلي يحتاج بشكل عاجل إلى القنابل إذا اندلعت الحرب مع لبنان في الشمال.

ردت الإدارة الأميركية بدهشة، وكأنها لا تعرف ما الذي يتحدث عنه نتنياهو، ثم بغضبٍ، ألغت اجتماعًا استراتيجيا كان مقررًا في واشنطن لبحث، التهديد النووي الإيراني المتطور. والآن سيبذل وزير الأمن، يوآف غالانت، جهدًا مضنيًا لحل أزمة تسليم الأسلحة خلال زيارته لواشنطن.

وعلى جدول محادثات غالانت مع مسؤولي الإدارة هناك أيضًا طلبات إسرائيل الأخرى للحصول على مساعدة دفاعية عاجلة، مع الانطباع الذي نشأ في إسرائيل بأن بعض الصفقات الأميركية استأنفت التعامل البيروقراطي البطيء المعتاد، على الرغم من احتياجات الجيش الإسرائيلي الملحة.

وانتقدت مصادر دفاعية إسرائيلية نشر نتنياهو للفيديو لأنه أضر بالعلاقات الحساسة مع الولايات المتحدة، في وقت يحتاج فيه الجيش الإسرائيلي بشدة إلى الذخائر والأسلحة وقطع الغيار.

ووجه نتنياهو مرة أخرى اتهاماته للأميركيين في افتتاح جلسة مجلس الوزراء، يوم الأحد، وقال: "قبل أربعة أشهر، كان هناك انخفاض كبير في الذخائر القادمة إلى إسرائيل من الولايات المتحدة. وعلى مدار أسابيع، اتصلنا بأصدقائنا الأميركيين وطلبنا تسريع الشحنات (...) لكننا لم نتلق شيئًا؛ لم يتغير الوضع الأساسي. وصلت بعض الطلبيات بكميات قليلة، لكن الذخائر بشكل عام لم تصل".

وعلقت هآرتس بالقول إنه "من الصعب تصديق أن غالانت، وهو في طريقه إلى الولايات المتحدة، كان مسرورًا بطبيعة وتوقيت هذه التصريحات. يبدو أننا نكرر النمط المعروف لمفاوضات صفقة الرهائن الفاشلة: يحرص نتنياهو على زيادة التوتر بين الطرفين في كل مرة يبدو أن هناك محاولة لإحراز تقدم ناجح في الاتصالات".

ولذلك لا يجد تحليل هآرتس بدًّا من ربط تصريحات نتنياهو الهجومية ببقائه في السلطة، فهو أراد بتلك التصريحات "تحويل المسؤولية عن عدم القدرة على هزيمة حماس في غزة إلى الإدارة الأميركية، لتبرير نفسه في أعين قاعدته اليمينية"، ومرةً أخرى تقول هآرتس: "تتفوق الاعتبارات السياسية الداخلية على الاعتبارات الأمنية وعلاقات إسرائيل الخارجية. وبعبارة أخرى، مصلحة الدولة".

نجاح مهمة غالانت يعتمد على استجابة إسرائيل لطلبات الرئيس الأميركي بخفض القتلى المدنيين في غزة، وتجنب استهداف الملاجئ الإنسانية، وحماية قوافل المساعدات، وتسهيل دخول المساعدات

يرى تحليل هآرتس أنّ نجاح غالانت في مهمته بواشنطن يعتمد أيضا على الانطباع الذي سيتولد لدى الإدارة الأميركية حول ما إذا كانت إسرائيل "تستجيب لطلبات الرئيس الأميركي فيما يتعلق بحرب غزة"، والمتعلقة أساسًا، حسب هآرتس بـ"خفض عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين في القتال، وتجنب الإضرار بالملاجئ الإنسانية التي يقيم فيها الناس، والتأكد من عدم تعرض قوافل المساعدات الغذائية والطبية للقصف، وعدم إثارة صعوبات أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة".

وتؤكد هآرتس أنّ المناقشات التي جرت في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين ركزت على ضرورة التعامل مع هذه المطالب.

لكن على الأرض تبدو الأمور أبعد، ففي الأيام القليلة الماضية كثف جيش الاحتلال من غاراته على غزة، التي حصدت في أقل من أسبوعٍ 200 شهيد، سقط بعضهم جراء استهداف جيش الاحتلال منشأةً تابعة للصليب الأحمر في مخيم الشاطئ بالقرب من رفح، بالإضافة لاستهداف مقر تابع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

يوجد، حسب التحليل، تهديد آخر بالنسبة لإسرائيل، يتمثل في الإجراءات المتبعة الآن في المحاكم الدولية في لاهاي. حيث من المقرر أن تبت محكمة العدل الدولية قريبًا بشأن ما إذا كانت هناك أسباب للادعاء بأن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في غزة. وفي المحكمة الجنائية الدولية، تقدم المدعي العام كريم خان بطلب لإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.

انفجار الضفة الغربية

تشعر الأمم المتحدة والولايات المتحدة بقلقٍ كبير بشأن التصرفات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يقترب الوضع من الانفجار. فبعد ثمانية أشهر ونصف من الحرب في غزة، يبدو أن السلطة الفلسطينية تكافح من أجل السيطرة على أراضيها.

ويرى تحليل هآرتس أنّ تجميد إسرائيل لتدفق الأموال، إلى جانب القيود المفروضة على دخول عمال الضفة الغربية إلى إسرائيل، زاد من المشاكل الاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية وترك العديد من الموظفين، بما في ذلك موظفو الأجهزة الأمنية المختلفة، في ضائقة مالية شديدة.

ومع ذلك أبدى وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، تصميمه على زيادة الضغط، كما لم يخف رغبته في انهيار السلطة الفلسطينية. حتى أن سموتريش يدعو إلى سلسلة من القرارات الوزارية لمعاقبة السلطة الفلسطينية على دورها في الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل في لاهاي. وهو يريد من الحكومة إضفاء الشرعية على وضع أربع بؤر استيطانية غير قانونية. وأشارت هآرتس إلى أنّ الاتفاق الذي وقعه سموتريش مع نتنياهو يمنحه المزيد من الصلاحيات في الضفة الغربية كوزير دفاع مساعد، يشدد سيطرته على التطورات هناك، وذلك على الرغم من انتقادات الجيش الإسرائيلي.

ويرى تحليل هآرتس أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بالكاد تتعامل مع التطورات في الضفة الغربية، التي يُنظر إليها على أنها جبهة ثانوية بالنسبة لغزة ولبنان. لكن عمليًا، ترى هآرتس، أن الوضع في الضفة يقترب بشكل خطير من الانهيار، مما قد يؤدي إلى انخراط الضفة الغربية مع الجبهات المعادية في غزة ولبنان.