13-أغسطس-2024
مسلحون ليبيون

تثير التحشدات العسكرية في ليبيا المخاوف من عودة البلاد إلى دوامة العنف (رويترز)

وصلت الخلافات بين القاهرة وطرابلس إلى مستوى الأزمة الدبلوماسية مع طرد حكومة الوحدة الوطنية مسؤولين في المخابرات المصرية من العاملين بالسفارة المصرية في طرابلس، واستدعاء رئيس الحكومة المعترف بها دوليًا، عبد الحميد الدبيبة، للسفير المصري لدى ليبيا لتسلميه مذكرة احتجاج رسمية للحكومة المصرية على استقبالها أسامة حماد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي.

ويحدث هذا التطور الدبلوماسي وسط مخاوف دولية من عودة ليبيا إلى مربع العنف المسلّح إثر تحركات لقوات عسكرية تابعة لحفتر، وأخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، نحو جنوب غربي البلاد.

وفي الوقت الذي لم تتلق فيه حكومة الدبيبة توضيحًا من الطرف المصري، حتى إعداد هذا التقرير، تتزايد المخاوف من تجذير الانقسام الليبي أكثر، وتوقف قطار المشاورات الرامية لإنجاز دستور للبلاد والذهاب لانتخابات وطنية تُنهي حالة الانقسام الحكومي والمؤسساتي.

اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية أن لقاء رئيس الوزراء المصري بأسامة حماد يعدّ خروجًا عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب

وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد استقبل في القاهرة رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، أسامة حماد، رفقة مدير "صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا" بلقاسم حفتر، لبحث دور الشركات المصرية في إعادة إعمار ليبيا.

وبمجرّد انعقاد الاجتماع، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بيانًا شديد اللهجة عبّرت فيه عن استيائها الشديد، ورفضها القاطع لهذه الخطوة، واصفةً إياها بأنها تمثل: "خروجًا عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب".

وشددت حكومة الوحدة الوطنية في بيانها على أنها منذ بداية عملها: "سعت جاهدةً إلى تجاوز حالة الاستقطاب الدولي والتعامل بتوازنٍ مع جميع الدول ذات الصلة بالملف الليبي، وخاصةً مع جمهورية مصر العربية".

على الطرف الآخر، أعربت وزارة الخارجية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عن استغرابها من بيان حكومة الوحدة الوطنية، واصفةً إياه: "بمخالفة القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب المنتخب".

وأعربت خارجية حماد عن تقديرها لما وصفته بـ"موقف مصر الداعم للعلاقات الثنائية بين البلدين"، مشيدة بالاستقبال الرسمي لرئيسها أسامة حماد والوفد المرافق له.

ولم تكتف خارجية حماد بذلك، بل ذهبت أبعد عندما وصفت في بيانها الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس بـ"غير المستقرة"، موجّهةً دعوةً لجميع الدول إلى "نقل سفاراتها إلى مدينة بنغازي"، التي وصفتها بالمنطقة "الآمنة والمستقرة".

كما استنكر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ما وصفها بـ"التصرفات غير المسؤولة" من حكومة الوحدة الوطنية "ضد جمهورية مصر"، مؤكدًا أن العلاقة معها: "لن يعكر صفوها أي محاولات أو خلافات"، وفقًا لبيان نشره مكتبه الإعلامي أمس الإثنين.

في المقابل، استنكر المجلس الأعلى للدولة استقبال الحكومة المصرية لرئيس حكومة مجلس النواب "غبر المعترف بها دوليًا"، معتبرًا أن لقاء مدبولي بحماد: "يتعارض مع الاتفاق السياسي الليبي، ويُعدّ تدخلًا غير مقبول في الشؤون الداخلية يؤدي إلى تأجيج الصراع وتعقيد جهود تحقيق الاستقرار".

ودعا مجلس الدولة، في بيان له أمس الإثنين: "الدول الصديقة والشقيقة إلى عدم التعامل مع كيانات غير شرعية تفرض نفسها بوسائل غير ديمقراطية"، مشددًا على أن الوسيلة الوحيدة للحل السياسي في ليبيا هو: "الحوار وطني الشامل برعاية أممية".

حشود عسكرية

تحشّدت قوات عسكرية تابعة لحفتر وأخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية غربي وجنوبي ليبيا، في خطوة رفعت منسوب التوتر من اندلاع نزاعٍ مسلح جديد في ليبيا. وفي أولى ردود الفعل الخارجية، أعربت الجزائر قلقها من الخطوة، وناشد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الفرقاء الليبيين: "ضبط النفس والحفاظ على وقف الاقتتال"، وذلك خلال استقباله سفير ليبيا لدى الجزائر صالح همه محمد بكده، بناءً على طلب الأخير، وفق بيان للخارجية الجزائرية.

وأوضح بيان الخارجية أن اللقاء: "شكّل فرصةً للإحاطة بما يجري على الساحة الليبية من مستجدات مقلقة لا تبعث على الارتياح، لا سيما عمليات الحشد العسكري تجاه المناطق الغربية والجنوبية للبلاد، وما تحمله هذه التطورات من أخطارٍ محدقة بتجدد الاشتباكات والمواجهات بين الأطراف الليبية".

وبحسب البيان، أبرز وزير الخارجية الجزائري: "ضرورة تضافر جهود الجميع للحفاظ على أهم مكسب تم تحقيقه عبر العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، ألا وهو مكسب وقف الاقتتال بين الإخوة الفرقاء في ليبيا، الذي يتوجب تثمينه وتعزيزه والبناء عليه".

تحشّدت قوات عسكرية تابعة لحفتر وأخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، غربي وجنوبي ليبيا، في خطوة رفعت منسوب التوتر من اندلاع نزاع مسلح جديد في ليبيا

كما شدد بيان الخارجية الجزائرية على: "ضرورة تسخير كل ما تملكه ليبيا من مقدرات ومقومات للإسراع في إنجاح العملية السياسية، الهادفة إلى توحيد المؤسسات الليبية عن طريق انتخابات حرة وشفافة ونزيهة".

ورأى البيان الجزائري أن: "الطابع الحيوي والمفصلي لهذه الانتخابات، يفرض احتكام الجميع إلى إفرازات صندوق الاقتراع، عوض التعويل على منطق القوة والعنف الذي لا طائل منه سوى المزيد من تصدع استقرار ليبيا، وإطالة أمد الأزمة فيها وتوسيع هوة الخلافات بين أبناء الوطن الواحد".

يشار إلى أنّ الأمم المتحدة أعربت هي الأخرى عن كامل انشغالها وقلقها بشأن الحشد والتعبئة الأخيرة للقوات في مختلف مناطق ليبيا، لا سيما تجاه مناطقها الجنوبية والغربية.