08-أغسطس-2024
آليات عسكرية إسرائيلية تقتحم الضفة الغربية

(Getty) اقتحامات إسرائيلية متكررة للضفة الغربية

في تصورٍ إسرائيليٍ جديدٍ لمصير الضفة الغربية، اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن تخضع الضفة الغربية لـ"إدارة ذاتية فلسطينية"، مع سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على "الأمن والشؤون الخارجية".

ويأتي تصور كاتس في زحمة من التصورات الإسرائيلية لمصير الضفة الغربية التي يقضم الاحتلال أراضيها بشكلٍ مستمرٍ، لكن جميع التصورات الإسرائيلية تشترك في رفض قيام أي دولةٍ فلسطينية مستقلة، سواءً تلك المنادية بضم الضفة لإسرائيل، أو تلك التي تقترح إدارة ذاتيةً أو حكمًا محليًا للفلسطينيين بلا "أنياب".

ويشار إلى أن الكنيست الإسرائيلي صوت في تموز/يوليو الماضي بأغلبية ساحقة لصالح قرارٍ برفض قيام دولة فلسطين، في محاولةٍ لقطع الطريق أمام تزايد الاعترافات الدولية بفلسطين والدعوات الدولية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وآخرها تلك الصادرة عن اجتماع كواد.

وبالعودة إلى تصور كاتس، فقد ادعى وزير خارجية دولة الاحتلال أنّ: "السلطة الفلسطينية لا تبقى على قيد الحياة في الضفة إلا بفضل العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ضد البنية التحتية لحماس والجهاد الإسلامي، والتي تدعمها وتروج لها إيران"، معتبرًا أنّ: "الحل هو الإدارة الذاتية الفلسطينية في الضفة الغربية، ما يسمح للفلسطينيين بإدارة حياتهم بأنفسهم".

يأتي تصور كاتس في زحمة من التصورات الإسرائيلية لمصير الضفة الغربية التي يقضم الاحتلال أراضيها بشكلٍ مستمرٍ

وأضاف أنه: "يجب على إسرائيل الحفاظ على السيطرة على الأمن والشؤون الخارجية لمنع إنشاء معقل آخر للمتطرفين الإيرانيين، وتمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم الداخلية"، على حد قوله.

اليمين المتطرف الإسرائيلي يعمل على انهيار السلطة لمنع قيام الدولة

يعدّ انهيار السلطة الفلسطينية هدفًا مركزيًا لليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، لا سيما وزير المالية في دولة الاحتلال بتسلئيل سموتريش الذي يتصدّر أو يقود مشروع إنهاء السلطة الفلسطينية، وبات حسب "رويترز" المهيمن على القرار الإسرائيلي في الضفة.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مقاطع صوتيةٍ لسموتريش يُبلغ فيها مستوطنين: "بجهود لتغيير الحكم بالضفة الغربية دون أن تُتهم الحكومة بضمها رسميًا"، وهذا يشي بهدفٍ استراتيجي آخر يتمثل في ابتلاع الضفة بواسطة الاستيطان بعد تحييد السلطة الفلسطينية التي يصورها مخطط سموتريش عائقًا أمام هذا الهدف. ويقود هذا المخطط في نهايته حسب القائمين عليه إلى: "منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من دولةٍ فلسطينية" مستقبلًا.

ولذلك لا يبدو من باب الصدفة أن يتزامن تنشيط هذا المخطط مع اعتراف دولٍ غربية بالدولة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن  هذه الاعترافات الأخيرة لا تؤكد على حدود الدولة الفلسطينية، الأمر الذي يفرغها، حسب بعض التحليلات، من مضمونها السياسي الفعلي، إذ لا بدّ حسب هؤلاء أن ينص أي اعتراف بالدولة الفلسطينية على حدودها، أي حدود 67.

أسلحة اليمين المتطرف للإطاحة بالسلطة الفلسطينية:

خصم العائدات المالية

خصم سموتريش 35 مليون دولارًا أميركيًا من أموال ضرائب السلطة الفلسطينية (المقاصة)، وأمر بتحويلها إلى عائلاتٍ إسرائيلية ممّن يصفهم بضحايا الإرهاب. وفي معرض دفاعه عن هذا الخصم المالي، قال سموتريتش إن: "السلطة الفلسطينية تشجع على الإرهاب وتدفع أموالًا لعائلات الإرهابيين والسجناء والأسرى المحررين الفلسطينيين"، وأشار سموتريش أن إسرائيل: "اقتطعت نفس المبالغ التي تدفعها السلطة الفلسطينية من أموالها، وستقوم بتحويلها إلى أسر ضحايا الإرهاب".

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن أبدت قلقلها: "من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية إذا لم تحوّل إسرائيل عائدات الضرائب إليها".

وليس خافيًا أن عائدات الضرائب، التي تجمعها إسرائيل للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق بين الطرفين، تشكل: "مصدرًا رئيسيًا للدخل للسلطة الفلسطينية"، علمًا بأن تقارير دولية تؤكّد أن السلطة في رام الله:  "تعاني بالفعل من أزمةٍ ماليةٍ عميقةٍ". وفي هذا السياق، يشار إلى التحذير الذي أطلقه البنك الدولي في 23 أيار/مايو المنصرم، والذي أكّد فيه أن: "وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية تدهور بشدةٍ في الأشهر الثلاثة الماضية، مما يزيد بشكلٍ كبيرٍ من مخاطر انهيار المالية العامة".

السيطرة على الإدارة المدنية

رأت صحيفة "الغارديان" البريطانية في نقل الجيش الإسرائيلي صلاحياتٍ قانونيةٍ كبيرةٍ في الضفة الغربية إلى موظفي الخدمة المدنية المؤيدين للمستوطنين والعاملين لدى الوزير اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش؛ رأت فيه الطرف المكمّل لمعادلة تقويض السلطة ومنع قيام الدولة الفلسطينية التي تضم، إلى جانب قطاع غزة والقدس الشرقية، أراضي الضفة الغربية.

ضغطت الإدارة الأميركية على إسرائيل للإفراج عن عائدات الضرائب الفلسطينية

وأشار تقرير "الغارديان" إلى أنّ سموتريتش وحلفائه: "طالما تمسكوا بأن السيطرة على الإدارة المدنية أو أجزاء كبيرةً منها تشكّل وسيلةً لتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية"، ولذلك فإنّ: "هدفهم النهائي هو السيطرة المباشرة من قِبل الحكومة المركزية ووزاراتها" على الضفة الغربية، حيث: "يقلل هذا الأمر من احتمالية فرض ضوابطَ قانونيةً على توسيع المستوطنات وتطويرها"، علمًا بأنّ: "الإدارة المدنية هي المسؤولة بشكلٍ أساسيٍ عن التخطيط والبناء في المنطقة "ج "من الضفة الغربية، أي 60% من الأراضي الفلسطينية المحتلة الخاضعة للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة".

ولفت تقرير الغارديان النظر إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين: "سعوا منذ فترةٍ طويلةٍ إلى إيجاد طرقٍ للاستيلاء بشكلٍ دائمٍ على الضفة الغربية أو ضمها، منذ احتلالها عام 1967".

ونقلت "الغارديان" عن المحامي الإسرائيلي مايكل سفارد قوله: "خلاصة القول هي أنه بالنسبة لأي شخصٍ يعتقد أن مسألة الضم غامضةٌ، فإن هذا الأمر يجب أن يزيل أي شكوكٍ. ما يفعله هذا الأمر هو نقل صلاحياتٍ إداريةٍ واسعةٍ من القائد العسكري إلى المدنيين الإسرائيليين العاملين في الحكومة". وعلقت بأن هذا التطور هو بمثابة "الانقلاب الأخير لسموتريتش الذي يشغل منصب وزير المالية"

تحذيرات ومخاطر

لا يحظى مخطط دفع السلطة الفلسطينية إلى الانهيار بإجماعٍ إسرائيلي، ذلك على الأقل ما تظهره تقاريرٌ إسرائيلية، فقد حذّر كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حسب القناة الـ12 الإسرائيلية "من انهيار السلطة الفلسطينية" بدعوى أنها: "ستؤدي إلى مزيدٍ من الإرهاب وزيادة نفوذ حماس". وبحسب المصدر الإسرائيلي ذاته، فإن: "أجهزة الأمن الإسرائيلية قالت إن فرض عقوباتٍ مشددةٍ على السلطة ستخلف فوضى في الضفة كفيلةٍ بوقف حرب غزة".

أمّا دوليًا، فحذرت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية من خطر انهيار السلطة الفلسطينية، بل إنّ مساعدين للرئيس الأميركي جو بايدن طرحوا في الأيام القليلة الماضية، حسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فكرة: "فرض عقوباتٍ على وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش مع وصول القلق والإحباط في واشنطن إلى ذروته بشأن الانهيار الوشيك المحتمل للسلطة الفلسطينية".

كما نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإفراج عن عائدات الضرائب الفلسطينية"، وأكّد بلينكن لنتنياهو  أنّ: "قضية عائدات الضرائب مهمة بالنسبة لواشنطن ويجب حلها".

يشار إلى أن الفلسطينيين يطالبون بإقامة دولةٍ فلسطينية على حدود ما قبل حرب 1967، بينما يرفض الاحتلال قيام دولة فلسطينية، رغم تزايد الاعتراف الدولي بهذه الدولة، وتأكيد الأمم المتحدة في قراراتها معالجة الصراع وفق مبدأ حل الدولتين.