الترا صوت - فريق التحرير
وجود الإسلام على أرض فرنسا، عريق بعراقة الجمهورية. ليس حكرًا على موجة "الهجرة إلى الشمال" التي طبعت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأبطالها الذين أصبحوا الآن فرنسيين للجيل الثاني والثالث، بل، وللمفاجأة، نجد له أثارًا عديدة في أكثر اللحظات مفصلية في تاريخ النموذج الجمهوري، مثالٌ على ذلك انخراطُ كتائب جزائرية في الدفاع عن الكمونة الباريسية في عام 1871.
هذه العلاقة، بين فرنسا والإسلام، كدين وكمجموعات بشرية فاعلة اجتماعيًا، تقع اليوم في قلب التقلّبات الخطيرة التي تعرفها الفترة الأخيرة
هذه العلاقة، بين فرنسا والإسلام، كدين وكمجموعات بشرية فاعلة اجتماعيًا، تقع اليوم في قلب التقلّبات الخطيرة التي تعرفها الفترة الأخيرة، ولو تسنى لنا تقديم توصيف شكلي للحالة على الأرض، لقلنا إنها رهينة حدثين رئيسيين طبعا شهر تشرين الأول/أكتوبر: واحد احتلّ زمنيًا بدايته، عندما اعتلى رئيس البلاد، إيمانويل ماكرون، منصّة بلدية ميرو متحدثًا عمّا أسماه "انفصالية إسلامية"، متبجحًا بأن "الإسلام يعيشُ أزمة في العالم" وأنه أصبح تهديدًا لـ"النموذج الجمهوري"، وبالتالي وجبت إعادة النظر في القوانين المنظمة للممارسة الدينية في البلاد. فيما الحدث الثاني، بعد الخطاب بأسبوعين، جريمة إرهابية راح ضحيتها مدرّس تاريخ، على يد متطرّف من أصولَ شيشانية، بعد عرضه لرسوم تسيء للنبي محمد على أنظار تلاميذه. رسومٌ أمعن الرئيس الفرنسي، ردًا على الجريمة، في التمسك بها وعرضها علنًا مدعمًا موقفه بـ "التمسك بحرية التعبير"، رغم تنديد العالم الإسلامي بموقفه ذاك واعتبار الأقلية المسلمة عرضها تحرّشًا بهم.
وكأن الحدثين أتيا ليؤكدا بعضهما، فمسرح الجريمة كان نفسه "الضواحي" التي عيّنها ماكرون مسرحًا لـ "الانعزالية"، وملابساتها لم تكن منفصلة عن خطاب الرسمية الفرنسية، جنبًا إلى جنب مع سنوات من التهميش، ترى أصوات مناهضة للإسلاموفوبيا، أنه لا يمكن فصلها عما يحدث وعما حدث.
هذه الثنائية فتحت في الجانب الآخر المجال أمام خطاب معادٍ للمسلمين في بلاد "الحرية والمساواة والإخاء"، واختلطت التعبيرات والاصطلاحات، وغابت الحدود في فوضى الخطابات هذه، بين الممارسة الدينية المسالمة وبين التطرف الإرهابي. مع ذلك، لم يكن هذا الخطاب جديدًا، وإن بدا بصيغة أوسع هذه المرة، فاتحًا الأسئلة من جديد عن معنى حرية التعبير، متى تبدأ ومتى تنتهي، وعن حالات من الانتقاء والاستثناء، وعن معانٍ جديدة لـ"العلمانية" في زمن صعود اليمين المتطرف.
لا يقتصر هذا الخطاب على استهداف الأقليات المسلمة، بل شمل القوى السياسية التي تندد بالعنصرية المنظمة تجاه المسلمين. حيث تم وصمها بـ "اليسار الإسلامي"، وتأجج الرأي العام ضدها، مع اتهامات لها بـ"التواطؤ مع الإسلام السياسي". كما انتهجت إدارة الرئيس الفرنسي إجراءات قانونية ضدّ بعضها، كما هو الحال بالنسبة للجمعية الفرنسية لمحاربة العنصرية، التي أصدر وزير الداخلية، جيرالد دارمنان، قرارًا بحلها.
على أي معنى تنطوي "الانعزالية الإسلامية"؟ كيف يمكن التفكير في "التطرف الإسلامي" في فرنسا في سياق صارم من التهميش الاقتصادي والسياسي؟ هل الحقل السياسي الفرنسي منفتح اليوم أمام مشاركة الأقليات المسلمة، وهل الضاحية قادرة على إنتاج فعل سياسي ناجع؟ وما صورة اللغة العربية في المخيال الاجتماعي الفرنسي؟
أسئلة يحاول هذا الملف الإجابة عليها، من خلال حوارات حصرية مع باحثين وصحفيين منخرطين وتجمعهم علاقة وثيقة بهذا النقاش، سواء من خلال الكتابة أو عبر نشاطهم السياسي.
اختلطت التعبيرات والاصطلاحات، وغابت الحدود في فوضى الخطابات هذه، بين الممارسة الدينية المسالمة وبين التطرف الإرهابي
يستضيف هذا الملف كل من الكاتب الصحفي المرموق ومدير موقع Orient XXI آلان غريش، وعالم السياسة والباحث في الشؤون الإسلامية فرانسوا بورجا، والمدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس سلام الكواكبي، ورئيس الحزب الديموقراطي لمسلمي فرنسا نجيب أزرقي، والصحفي في جريدة لوموند الفرنسية وصاحب كتاب "العربية للجميع: لماذا لغتي الأم تابوه في فرنسا؟" نبيل واكيم.
اقرأ/ي أيضًا:
ملف خاص: القطاع العام عربيًا.. العملاق المهدور
ملف خاص: النكتة السياسية عربيًا.. سرديات المقهورين
ملف خاص: الإخفاء القسري عربيًا.. جريمة عابرة للزمن
ملف خاص: قدرة العرب الشرائية.. إفقار وخداع وتجويع
ملف خاص: الحركة الطلابية والانتكاس الديمقراطي عربيًا
ملف خاص: الإعلام الحكومي عربيًا.. مؤسسات الفشل المنظّم
ملف خاص: قوانين الجرائم الإلكترونية عربيًا.. مساحة قهر إضافية
ملف خاص: المكتبات العامة في العالم العربي.. أعراض فقر التنمية
ملف خاص: النقابات في العالم العربي.. جدل الصراع بين الفئوي والسياسي