05-سبتمبر-2024
دول جنوب شرق آسيا

المدمرة الأميركية يو إس إس ديوي تعبر بحر الصين الجنوبي في 6 أيار/مايو 2017 (رويترز)

عملت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة على الترويج لتقاربها مع الشركاء الآسيويين على أنه نجاح كبير، وذلك بناء على تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين، بما فيهم وزير الدفاع، لويد أوستن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكين، حيثُ أكد كلا الوزيرين أن التقارب بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، والشركاء الآسيويين من جهة أخرى، لم يكن أفضل من هذه المرحلة في التعامل مع روسيا والصين، وفقًا لتقرير أعدته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.

لكن في الحقيقة، وفقًا لما تقول المجلة الأميركية، فإن الولايات المتحدة تفقد أرضيتها في أجزاء مهمة من آسيا، ففي كل عام، يستطلع معهد "ISEAS" البحثي الممول من قبل الحكومة السنغافورية الآراء والتوجهات حول قضايا مختلفة بشكل دقيق، حيثُ بيّن الاستطلاع هذا العام، اختيار غالبية المستجيبين الصين على الولايات المتحدة عند سؤالهم عمن يجب أن تتحالف معه رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" إذا أجبروا على الاختيار بين الاثنين، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يختار فيها المستجيبون الصين منذ أن بدأ الاستطلاع في طرح هذا السؤال في عام 2020.

أكثر من 50 بالمئة بفضلون الشراكة مع الصين

بحسب "فورين إفيرز"، فإن هذا الانخفاض في قبول للولايات المتحدة بدول جنوب شرق آسيا، يجب أن يدق ناقوس الخطر في واشنطن، التي تعتبر الصين منافسها الرئيسي، وتنظر إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ ساحة معركة حاسمة، حيث تقع جنوب شرق آسيا في القلب الجغرافي لهذه المنطقة الشاسعة والديناميكية، وهي موطن لحليفين للولايات المتحدة، هما الفلبين وتايلاند، فضلًا عن العديد من الشركاء المهمين.

إن هذا الانخفاض في قبول للولايات المتحدة بدول جنوب شرق آسيا، يجب أن يدق ناقوس الخطر في واشنطن، التي تعتبر الصين منافسها الرئيسي

وتوضح المجلة الأميركية أن أهداف الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ تعوقها خسارة الأرض أمام الصين، وستكون الفلبين وسنغافورة، حيث تمتلك الولايات المتحدة منشآت عسكرية، ذات أهمية خاصة في حالة نشوب صراع صريح بين الصين والولايات المتحدة، لكن بعيدًا عن الحرب، فإن نفوذ الصين المتزايد في جنوب شرق آسيا لا يزال يضعف قدرة أميركا على الانخراط بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف لتحقيق التأثير الاستراتيجي.

وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن الولايات المتحدة حققت بعض النجاحات في جنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة، حيث عززت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، العلاقات مع الفلبين على وجه الخصوص، كما أمنت الوصول إلى أربعة منشآت عسكرية جديدة في عام 2023.

وأضافت أنه استجابة للمشاركة الدبلوماسية الرفيعة المستوى المستمرة التي بلغت ذروتها في زيارة بايدن إلى هانوي في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، رفعت فيتنام رسميًا علاقتها مع الولايات المتحدة بمستويين إلى "شراكة استراتيجية شاملة"، على الرغم من أن مدى ترجمة ذلك إلى زيادة التعاون في الدفاع والأمن وتعميق العلاقات الاقتصادية لا يزال يتعيّن مراجعته.

ومع ذلك، كان أداء الولايات المتحدة الأسوء مع معظم البلدان الأخرى في جنوب شرق آسيا، فقد أظهر استطلاع "ISEAS" لعام 2020، وهو العام الأول الذي سأل فيه المعهد المستجيبين "إذا اضطرت رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى الانحياز إلى أحد المنافسين الاستراتيجيين، فما الذي يجب أن تختاره؟"، اختيار 50.2 بالمئة الولايات المتحدة، مقارنة بـ 49.8 بالمئة اختاروا الصين.

وتشير "فورين أفيرز" إلى أنه عند تعديل الردود لضمان تمثيل ردود كل بلد بنسبة متساوية، أظهر الاستطلاع الذي أُجري عام 2023 اختيار 61 بالمئة من المشاركين الولايات المتحدة مقارنة بـ39 بالمئة ممن اختاروا الصين، على الرغم من أن أداء الولايات المتحدة كان أقل من المتوسط الإجمالي في بروناي وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وتايلاند.

ومع ذلك، في استطلاع عام 2024، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كشريك في المنطقة، حيثُ اختار 50.5 بالمئة من المشاركين الصين، مقابل اختيار 49.5 بالمئة الولايات المتحدة.

دعم واشنطن لـ"إسرائيل" قلب الموازين

ورجّحت "فورين أفيرز" أن أن يكون دعم الولايات المتحدة القوي لـ"إسرائيل" قد قلب الموازين لصالح الصين، حيث صنف أولئك الذين شملهم الاستطلاع في جميع البلدان الثلاثة ذات الأغلبية المسلمة الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين على أنه مصدر قلقهم الجيوسياسي الأكبر.

وقال 83 بالمئة من الماليزيين، بالإضافة إلى 79 بالمئة من بروناي، و75 بالمئة من المستجيبين الإندونيسيين إنهم اختاروا هذا الخيار، كما صنفت سنغافورة، التي تضم أقلية كبيرة من المسلمين، الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين على أنه مصدر قلقها الأكبر، حيث اختار 58 بالمئة من المستجيبين هذا الخيار.

ووفقًا للمجلة الأميركية، فإن نتائج الاستطلاع تتفق مع المحادثات الدبلوماسية الأخيرة في المنطقة، فقد كان الدبلوماسيون الإندونيسيون ينتقدون موقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة.

كما أعلن دبلوماسي ماليزي كبير ببساطة: "سوف نختار الصين بسبب غزة"، فيما أوضح مسؤول ماليزي رفيع المستوى في محادثات منفصلة، أنه على الرغم من أن ماليزيا اتبعت منذ فترة طويلة سياسة خارجية غير منحازة وانتقدت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن حدة الغضب تجاه "إسرائيل" والولايات المتحدة قد ازدادت بشكل كبير؛ حيث يقاطع العديد من الماليزيين الآن العلامات التجارية الاستهلاكية الأميركية للأغذية، وعلى النقيض من ذلك، يُنظر إلى الصين في ضوء إيجابي بشكل متزايد.

وتقول "فورين أفيرز" إن مشاريع مبادرة الحزام والطريق مرحب بها بشكل عام في جنوب شرق آسيا لإمكانات النمو والتنمية التي توفرها للبلد المتلقي، ووفقًا لأحد الدبلوماسيين رفيعي المستوى من المنطقة فإن "الصين نموذج لكيفية كسب القلوب والعقول".

وترى المجلة الأميركية أن نفوذ الصين المتزايد في جنوب شرق آسيا يعيق قدرة الولايات المتحدة على المشاركة بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف في المنطقة لتحقيق تأثير استراتيجي، مشيرةً إلى أن المثال الأكثر وضوحًا على ذلك هو النهج الحذر الذي تتبناه رابطة دول جنوب شرق آسيا في التعامل مع بحر الصين الجنوبي، إذ إنه على الرغم من الإجراءات المتزايدة التي اتخذتها بكين في المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين في العام الماضي، فإن الكتلة لم تصدر أي بيان يشير إلى الصين بالاسم.

وتعتبر المجلة الأميركية أن الخسارة التي شهدتها الولايات المتحدة في المنطقة تضر أيضًا بمكانتها في أماكن أخرى، سواء في حشد الدعم ضد غزو روسيا لأوكرانيا أو لسياساتها في الشرق الأوسط، مضيفة أن نداءات واشنطن من أجل استجابة عالمية أقوى ضد روسيا سقطت في الغالب على آذان صماء في جنوب شرق آسيا، وفي الوقت نفسه، يكرر كثيرون في جنوب شرق آسيا النقاط الروسية أو الصينية التي تتحدث عن الحرب.

وختمت "فورين أفيرز" تقريرها بالقول إن التصورات بأن الولايات المتحدة لديها معايير مزدوجة في سياستها الخارجية، وأهدافها الذاتية عندما يتعلق الأمر بالصين، قد قوضت قدرتها على كسب دعم أكبر، فعندما ينظر العديد من سكان جنوب شرق آسيا إلى الولايات المتحدة الآن، فإنهم يرون دولة دولة تعاني من خلل وظيفي في الداخل، وتدفع بأجندة أنانية مفضوحة في الخارج.