19-أغسطس-2024
فؤاد شكر

(Getty) اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر

سلّطت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية الضوء على تفاصيل عملية اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله، فؤاد شكر، الذي قالت الصحيفة إنه "أعجز" الولايات المتحدة لنحو 4 عقود، منذ أن ساهم في التخطيط لمقتل 241 من مشاة البحرية في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1983.

فقد كان شكر، حسب مصادر الصحيفة الأميركية، يعيش حياةً غير مرئية لدرجة أن قلةً من الناس عرفوا اسمه ووجهه قبل اغتياله بغارةٍ جوية إسرائيلية وضعت الشرق الأوسط على شفا حرب شاملة أو تكاد.

وبحسب تقرير الصحيفة الذي شارك في إعداده كلٌّ من سوني إنجل راسموسن وآدم شمس الدين وكاري كيلر لين؛ فإن فؤاد شكر ظل غائبًا عن الأنظار مثل الشبح "حتى قتلته غارةٌ جوية إسرائيلية في الطابق السابع من مبنى سكني بالضاحية الجنوبية من بيروت نهاية تموز/يوليو الماضي".

ووصف تقرير وول ستريت جورنال فؤاد شكر بأنه "متشددٌ وبأنه أكثر عناصر الحزب أهمية، وبأنه صديق موثوق به منذ فترة طويلة للزعيم حسن نصر الله الذي جعل من حزب الله أفضل مليشيا غير حكومية مسلحة في العالم". مع الإشارة إلى أنّه أحد مؤسسي حزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة على أنه جماعة "إرهابية".

وفي حين تركّز رواية وول ستريت جورنال على فرضية الاختراق الأمني لشبكة اتصال كان فؤاد شكر يستخدمها، يُكذِّب حزب الله تلك الرواية ويقول إنها "دعاية لإسرائيل" تجانب الصواب.

اغتيال فؤاد شكر وضع المنطقة على شفا حرب إقليمية شاملة، وشكر "أعجز" الولايات المتحدة لنحو 4 عقود، منذ أن ساهم في التخطيط لمقتل 241 من مشاة البحرية في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1983

اختراقٌ أمني

لم يظهر فؤاد شكر إلا في تجمعاتٍ صغيرة لقدامى المحاربين، وقد ظهر هذا العام علنًا لبضعة دقائق في جنازة ابن أخيه، وكما قال أحد معارفه إنه كان سريًّا للغاية لدرجة أن وسائل الإعلام اللبنانية نشرت صورًا لرجل آخر مكانه.

وقال مسؤول في حزب الله إن القائد الذي لا تعرفه سوى قلّةٍ من الناس أمضى يومه الأخير في مكتبه بالطابق الثاني من مبنًى سكني في الضاحية، وهو المبنى نفسه الذي كان يعيش في الطابق السابع منه، وقال مسؤول بالحزب إنه تلقى مكالمةً من شخصٍ طلب منه الذهاب إلى شقته قبل أن تسقط عليها القنابل الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل شكر وزوجته وامرأتين أخريين وطفلين، وإصابة أكثر من 70 شخصًا، حسب وزارة الصحة اللبنانية.

وقال المسؤول إن المكالمة التي طالبت شكر بالصعود إلى الطابق السابع لتسهيل استهدافه، جاءت من شخصٍ اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لحزب الله، ويواصل الحزب مع إيران، حسب الصحيفة، التحقيق في فشل الاستخبارات، مع الاعتقاد بأن إسرائيل استخدمت تكنولوجيا أفضل للاختراق.

مثّل اغتيال شكر ضربةً قوية لحزب الله، وقد شكل مع مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، دفعًا كبيرًا للشرق الأوسط إلى شفا حربٍ إقليمية "تسعى الولايات المتحدة جاهدةً لتجنبها"، حسب وول ستريت جورنال.

وبحسب الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب كارميت فالنسي، فإن "عمليات القتل المستهدفة لها تأثيرٌ تراكمي على القدرة العملياتية لحزب الله"، مضيفةً القول إنّ فؤاد شكر "كان مصدرًا للمعرفة. يعرف كيف يعمل ويتواصل مع نصر الله. لقد تحدثوا اللغة نفسها".

أي أدوار كان شكر يضطلع بها؟

عاش شكر طيلة حياته تقريبًا في قلب عمليات حزب الله وصنع القرار داخله، وكان حلقة وصلٍ رئيسية بينه وبين إيران، وكان يعمل، بالإضافة إلى ذلك، في المديرية العامة للأمن العام، وهي وكالة استخبارات حكومية لبنانية.

وقد ساعد في تنظيم مقاتلي حرب العصابات في بيروت لمعارضة غزو إسرائيل للبنان خلال الحرب الأهلية، ثم أصبح الرجل المحوري بين الإيرانيين والمعسكر الذي أنشؤوه في منطقة البقاع، لتدريب مقاتلي حزب الله، كما سافر إلى إيران للإشراف على تدريب قوات النخبة من حزب الله.

وتتهم الولايات المتحدة شكر بأنه لعب دورًا رئيسيًا في التخطيط للهجوم الذي استهدف ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983، قبل أن يعلن حزب الله رسميًا عن وجوده، وتبنّت، حينها، جماعةٌ تسمى الجهاد الإسلامي المسؤولية عنه.

أعلن حزب الله رسميًا عن تشكيله عام 1985، وأصبح فؤاد شكر، حسب وول ستريت جورنال، أول قائدٍ عسكري له، واستمر في شنّ حرب عصاباتٍ في الجنوب حتى انسحبت القوات الإسرائيلية بالكامل من البلاد عام 2000، واكتسب سمعةً بوصفه مفكرًا إستراتيجيًا لديه معرفة بالمنطقة بأكملها.

وعندما اندلعت الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان عام 2006، كان فؤاد شكر مرةً أخرى فعّالًا، وساعد في قيادة المقاتلين الذين تسللوا إلى شمال إسرائيل، وقتلوا 8 جنود واختطفوا اثنين، مما أدى إلى غزوٍ استمر شهرًا ودمر أجزاء من لبنان.

توسيع ترسانة الحزب

بعد الحرب، أشرف شكر على بناءٍ عسكري وسّع خلاله ترسانة حزب الله من نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة إلى نحو 150 ألفًا، وأصبح الرجل الرئيسي لتسليم إيران، عبر سوريا، للمكونات التي تحول الصواريخ غير الموجهة إلى صواريخ موجهة بدقة، وفقًا للجيش الإسرائيلي.

في العام 2008، قُتل صديق شكر والقائد العام لحزب الله عماد مغنية في انفجار سيارةٍ مفخخة في عملية مشتركة بين وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) والموساد في دمشق.

وفي العام 2016، قتل صديق آخر، هو مصطفى بدر الدين في انفجارٍ أيضًا بالعاصمة السورية، ولكنّ شكر بدا، حسب الصحيفة الأميركية، أكثر استرخاءً خلال السنوات الأخيرة.

وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما شنت حماس عملية طوفان الأقصى، ووقع شكر في مرمى نيران إسرائيل بعد سقوط صاروخ في ملعب كرة قدم في مجدل شمس في مرتفعات الجولان المحتلة، وعلى الرغم من نفي حزب الله تورطه، لكن إسرائيل ألقت باللوم عليه، قائلةً إن الصاروخ كان أحد صواريخ حزب الله وجاء من لبنان.

أَخرج الموت فؤاد شكر من الظل، فطُبع وجهه على لوحاتٍ إعلانية، وعُرضت لقطاتٌ من حياته في ساحة المعركة على شاشةٍ كبيرة، وأشاد صوتُ معلّقٍ بفضائله بصوت عالٍ، ثم دُفن في مقبرة عامة في بيروت إلى جانب شابٍّ مات وهو يقاتل في سوريا.

تكذيب من حزب الله

نفى حزب الله اللبناني بصورةٍ قاطعة ما وصفها بـ"الرواية المختلقة" التي أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية حول اغتيال فؤاد شكر، مؤكدًا أنها "رواية مليئة بالأكاذيب ولا أساس لها من الصحة على الإطلاق".

وفي بيان للعلاقات الإعلامية في حزب الله أوضح أن "أيًا من مراسلي الصحيفة الثلاثة الذين وضعوا أسماءهم على المقالة المذكورة لم يلتقوا أيًا من مسؤولي حزب الله على الإطلاق. وبالتالي فإن الرواية كاذبة من أساسها والمصادر المنسوب لها ليسوا سوى من مخيلة كتابها، ولا هدف لها سوى الترويج والدعاية للعدو الصهيوني".