12-أغسطس-2024
النازحون في غزة

الآلاف نزحوا من منازلهم في غزة (رويترز)

يُمعن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ارتكاب كلّ ما من شأنه منع التوصل لاتفاقٍ يُنهي وقف إطلاق النار، ويندرج في ذلك ارتكاب جيشه لمجزرة مدرسة التابعين الأخيرة، التي جاءت بعد يومٍ واحدٍ من البيان الثلاثي للوسطاء الذين دعوا إلى جولة مفاوضات "حاسمة وأخيرة" في الدوحة أو القاهرة لسدّ فجوات لا يسأم نتنياهو من اختلاقها كلّما أشرف المفاوضون على الاتفاق.

ويتخوّف المتابعون من أنه في حال فشل الجولة القادمة من المفاوضات فإنّ سيناريو الحرب الإقليمية قد يغدو أمرًا لا مناص منه، ولعلّ هذا ما يريده نتنياهو بالضبط، وإلا لما غامر باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنيّة، وسط طهران. ويمنّي نتنياهو نفسه بإلحاق هزيمة بإيران تُنهي ملفها النووي من جذوره، بمساعدة أميركية بالطّبع. فأيّ حربٍ لإسرائيل مع إيران ستجرّ الولايات المتحدة إلى التدخّل.

نقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن مسؤولٍ في الحكومة الإسرائيلية أنّ تل أبيب تعتبر جولة التفاوض القادمة في 15 آب/أغسطس: "بمثابة آخر فرصةٍ للتوصل إلى صفقة، لأن الأسرى الإسرائيليين يموتون" على حدّ تعبيره. لكن على الرغم من أنّ نتنياهو أعلن استعداد وفده المفاوض للمشاركة في مفاوضات الخميس القادم، إلّا أنه لم يترك عادته في وضع المزيد من الشروط لعرقلة التوصل إلى اتفاقٍ، مدفوعًا في تعنّته ذلك بالتهديدات المتجددة من حلفائه من اليمين المتطرف (بن غفير وسموتريش) بحلّ الائتلاف الحكومي.

طالبت حماس الوسطاء بتقديم خطةٍ لتنفيذ ما وافقت عليه في 2 تموز/يوليو بدلًا من الذهاب إلى مزيدٍ من جولات المفاوضات

وعلى الرغم من أنّ حركة "حماس" لم تعلن بعد عن موقفٍ صريحٍ من دعوة الوسطاء تفيد الرفض أو الموافقة على مقترح الوسطاء، إلّا أنها دأبت على الاستجابة لكلّ ما من شأنه أن يُنهي الحرب، مع تنويهها المستمر بأنّ الجانب الإسرائيلي ليس مستعدًّا لإنهائها ويفتعل المشكلات كلّ مرّة لإفشال المفاوضات.

وفي آخر موقفٍ للحركة بشأن الدعوة الجديدة، طالبت حماس الوسطاء: "بتقديم خطةٍ لتنفيذ ما وافقنا عليه في 2 تموز/يوليو بدلًا من الذهاب إلى مزيدٍ من جولات المفاوضات أو مقترحاتٍ جديدة"، وهو موقفٌ يقرأ فيه بعض المتابعون رفضًا من "حماس" للذهاب إلى جولة جديدة من المفاوضات، ويعزز من ذلك اختيار يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة خلفًا لإسماعيل هنية.

ومع ذلك، ثمّة اختلافات في المواقف بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي تجعل التوصل لاتفاقٍ أمرًا مستبعدًا، ويتعلق الأمر بالمواقف من 3 قضايا، هي: محور فيلادلفيا، ومعبر رفح، ومسألة عودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، بالإضافة إلى تفاصيل عملية تبادل الأسرى ووقف القتال بشكلٍ مستمر.

عُقدة محور فيلادلفيا ومعبر رفح

يتمسك نتنياهو بسيطرة جيش الاحتلال على محور فيلادلفيا، في الوقت الذي تطالب فيه "حماس" بانسحاب قوات الاحتلال منه وفتح معبر رفح من الجانبين المصري والفلسطيني، معارضة أيضًا الأفكار المطروحة بشأن السيطرة عليه من أطراف عربية أو فلسطينية دون توافق.

ونظرًا لحساسية هذا الملف، أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي، بتوجه مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك، إلى القاهرة لإجراء محادثاتٍ مع مسؤولين مصريين وإسرائيليين، في محاولةٍ من الإدارة الأميركية لوضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات الأمنية على الحدود بين مصر وغزة، بحسب مصادر أميركية.

ووفقًا لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، فإن الترتيبات: "تُركّز على نظامٍ مشترك لمنع تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة، والاتفاق على إعادة فتح معبر رفح".

عودة النازحين

في جولات التفاوض السابقة، استحدث رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو شرطًا جديدًا، يقضي بمنع عودة من سماهم "المسلحين الفلسطينيين" من جنوب القطاع إلى شماله. ولضمان ذلك، تسعى حكومة نتنياهو إلى تفتيش النازحين العائدين عند محور نتساريم الذي أقامه الجيش قرب مدينة غزة، فاصلًا شمال القطاع عن جنوبه. وقد رفضت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هذا الشرط، مطالبةً بانسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم هو الآخر إلى جانب الانسحاب من محور فيلادلفيا.

التبادل

تطالب إسرائيل باستلام قوائمَ بأسماء المفرج عنهم مسبقًا من أسراها لدى المقاومة في غزة، كما كشفت مصادر أن حكومة نتنياهو أعادت طرح شرطِ تحديد عدد وأسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء، وهو ما ترفضه حركة "حماس".

في المقابل ترفض إسرائيل إطلاق سراح 150 أسيرًا من الأسرى الفلسطينيين في سجونها، وإن كانت مصادر تحدثت عن موافقة إسرائيل على إطلاق بعضهم لكن شريطة إبعادهم خارج فلسطين.

وفي هذا الصدد، قالت القناة 13 الإسرائيلية، الأسبوع المنصرم، إن نتنياهو وضع شرطًا يتضمن إبعاد 150 أسيرًا فلسطينيًا من المتهمين بقتل إسرائيليين إلى تركيا وقطر.

ويشار إلى أنّ "حماس" تُطالب بأن يتم الإفراج عن هؤلاء الأسرى إلى أماكن سكنهم، وفي الوقت ذاته تريد أن يكون لها الحق في تحديد هوية الأسرى الأمنيين خلال تنفيذ صفقة التبادل المرتقبة.

ليس من مصلحة نتنياهو إنهاء الحرب لأن مستقبله السياسي ينتهي بنهايتها

إنهاء الحرب

يحرص نتنياهو على عدم وقف الحرب دون تحقيق مفهومه للنصر بالقضاء على "حماس" والمقاومة في غزة، ولذلك اشترط على حليفه الأميركي أن تكون له القدرة على العودة إلى القتال في نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق، إذا لم يتم التوافق بشأن المرحلة الثانية. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن نتنياهو  حصل على رسالة ضمانات أميركية بشأن مطلبه باستئناف الحرب بين المرحلتين الأولى والثانية من صفقة "تبادل الأسرى"، إذا لم تسر الاتصالات على ما يرام.

ولكي يكون استمرار الحرب مفروغًا منه، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن نتنياهو سيطالب من بين مطالب عدة أخرى، بنزع سلاح حركة "حماس"، وإبعاد قادتها، كشرطٍ للانتقال للمرحلة الثانية من الصفقة.

في المقابل، تحرص "حماس" على أن يكون وقف إطلاق النار نهائيًا، ولذلك تطالب بحلّ جميع الإشكاليات التي قد تنشأ خلال تنفيذ الصفقة، دون استمرار القتال، كما تشدد على أن الصفقة تنتهي بوقفٍ دائم لإطلاق النار، وانسحابٍ إسرائيلي كامل من قطاع غزة.

ويشار ههنا إلى البند الرابع عشر في الاتفاق المقترح، فهذا البند المقترح يتضمّن عبارةً تعتبرها "حماس" غير حاسمة في الالتزام بوقف إطلاق النار وهي عبارة "بذل كل جهد" التي تطالب بحذفها بحيث يتضمّن النص أن: "يضمن الوسطاء الأميركي والقطري والمصري وقف إطلاق النار الدائم مع انتهاء الصفقة".