29-يوليو-2024
بنيامين نتنياهو

متظاهرون يحرقون دمية تمثل نتنياهو في واشنطن (رويترز)

في تشريحٍ جديدٍ لخطاب نتنياهو، المليء بالأكاذيب والمشحون بالعنصرية والكليشيهات المصممة لاستدرار التصفيق، اعتبر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أنّ الولايات المتحدة بلغت درجةً من العمى السياسي والاستراتيجي حدّ التواطؤ مع "زعيم" مفلس سياسيًا وأخلاقيًا كنتنياهو.

واستهل جوناثان كوك مقاله في الموقع البريطاني بالقول إنّ انهيار الإمبراطورية يصبح حتميًا بمجرد أن يفقد حكامها كل إحساس بمدى عبثية وفظاعة ما أصبحوا عليه، معتبرًا أنّه لا يوجد الآن بلد واحد في العالم سوى الولايات المتحدة، تصفق الغالبية العظمى من ممثليه المنتخبين بحرارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خضم مذبحة يرتكبها جيشه في قطاع غزة.

وأبدى الكاتب البريطاني استغرابه من أن يُستقبل نتنياهو - الذي أشرف خلال الأشهر العشرة الماضية على مذبحة قضى فيها نحو 40 ألف فلسطيني نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال - بالترحيب في الكونغرس الأميركي باعتباره بطلًا.

جلست رشيدة طليب، المشرعة الأميركية الوحيدة من أصل فلسطيني، صامتةً ممسكة بلافتة سوداء صغيرة، كُتب على أحد جانبيها: "مجرم حرب"

وأضاف أن نتنياهو الذي دمر موطن نحو 2.3 مليون فلسطيني، وقد يستغرق إعادة إعماره 80 عامًا بتكلفة لا تقل عن 50 مليار دولار، وهو ذاته الذي دمر كل مستشفى وجامعة في غزة، وقصف كل مدارسها، والذي يسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى اعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

كما أنه هو نفسه الذي وجدت محكمة العدل الدولية أن حكومته كانت تعمل على تكثيف حكم الفصل العنصري، وتقف وراء ما وصفته المحكمة بأنه "إبادة جماعية"، ومع كل ذلك لم يكن هناك سوى محتج واحد مرئي في قاعة الكونغرس، في إشارة للنائبة الديمقراطية رشيدة طليب، علمًا بأن 112 من أعضاء الكونغرس قاطعوا الجلسة، ولو حضروا لأثّر ذلك على الجو الاحتفائي الذي ظهرت به الجلسة.

جلست رشيدة طليب، المشرعة الأميركية الوحيدة من أصل فلسطيني، صامتةً ممسكة بلافتة سوداء صغيرة، كتب على أحد جانبيها: "مجرم حرب"، وعلى الجانب الآخر: "مذنب بالإبادة الجماعية".

كان المشهد قاتمًا، إذ بدا الأمر وكأنه ليس زيارةً من زعيم أجنبي، بل كان بمثابة ترحيب بجنرال كبير مخضرم في مجلس الشيوخ بروما القديمة.

وهكذا أصبح نتنياهو، حسب مقال "ميدل إيست آي"، الزعيم الأجنبي الأكثر تكريمًا في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الذي يظهر وكأن وحشيته من صنع أميركا بالكامل، وكأنه كذلك تذكيرٌ بأن عالمنا - على الرغم من مزاعمنا الأنانية بالتقدم والإنسانية - لا يختلف كثيرًا عن وضعه منذ آلاف السنين.

ويعتبر الكاتب أنّ استقبال نتنياهو كان فوق ذلك تذكيرا بأن هذه ليست "حربًا" بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ناهيك عن كونها، كما يريد نتنياهو أن نصدق، معركة من أجل الحضارة بين العالم اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي، بل هي مجرد حرب إمبريالية أميركية، وجزء من حملتها العسكرية من أجل "الهيمنة العالمية الكاملة".

وذلك لدرجة يبدو معها أنّ الإبادة الجماعية هي إبادةٌ جماعيةٌ أميركيةٌ بالكامل، مسلحة وممولة ومغطاة دبلوماسيًا من قبل واشنطن، أو كما قال نتنياهو في لحظة من الصراحة غير المقصودة أمام الكونغرس: "أعداؤنا هم أعداؤكم، ومعركتنا هي معركتكم، ونصرنا سيكون نصركم".

وكانت هناك لحظة صغيرة أخرى من الحقيقة غير المقصودة وسط فيض من الأكاذيب التي أطلقها نتنياهو، وذلك حين صرح بأن ما يحدث في غزة كان "تصادمًا بين البربرية والحضارة"، ولم يكن مخطئًا، يوضح الكاتب، لأن همجية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية المشتركة الحالية مستمرة ضد شعب غزة، وهي امتداد للحصار الإسرائيلي الدرامي للقطاع الذي دام 17 عامًا، والذي سبقته عقودٌ من الحكم العدواني في ظل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

وكان المفكر العربي عزمي بشارة قد قال في معرض تعليقه على خطاب رئيس وزراء دولة الاحتلال أمام الكونغرس الأميركي، إنّ نتنياهو قدم في كلمته أمام الكونغرس خطابًا استعماريًا ومجموعةً من الكليشيهات لاستدرار التصفيق، مصورًا ما جرى بعبارة: "محفلٌ شعبوي من الحماقة والسخافة مشين ومعيب بالنسبة لبرلمان من هذا النوع". وإذا كان هذا المشهد يقول شيئًا، حسب بشارة، فإنما: "يقول شيئًا عن سطحية البرلمانات الأميركية فيما يتعلق بالشؤون الخارجية"، ولذلك من السهل انجراف البرلمانيين الأميركيين في جوقة من التصفيق خلف نتنياهو.

ومع ذلك، يرى بشارة أن خطاب نتنياهو خطير لأنه ما زال هناك رئيس حكومة في دولة في منطقتنا يتبنى تجاهنا خطابًا استعماريًا بقوله إن الصراع ليس بين حضارات وإنما بين الحضارة مقابل البربرية. وبقوله مخاطبًا الأميركان: "نحن نخدم مصالحكم ونوفر عليكم أن تضعوا أرجلكم على الأرض"، وبقوله في نبرة سلفيةٍ إن الأرض: "أرض إبراهيم وإسحاق ويعقوب"، بل وتشبيه غزة بألمانيا واليابان، وغيرها من الكليشيهات المعدة للتصفيق. وزاد عليها التدخل بصفاقة في شؤون أميركا واصفًا من يتظاهر ضد إسرائيل بالمعادي للسامية أو العميل لإيران.

ومع ذلك، يسجل بشارة حدوث تغير كبير في أميركا انعكس في المظاهرات ومقاطعة أكثر من 100 نائب لخطاب نتنياهو، وحتى في بعض وسائل الإعلام في "سي إن إن" ليلة الخطاب كانت معبأة ضده، حيث أشارت إلى أنه: "خطاب كله أكاذيب ولم يطرح أي شيء بالنسبة للحلول، وتحدث بتعالي وغرور تجاه أميركا".

ويفسر هذا، في جانب منه، اندفاع نتنياهو تجاه ترامب لأنه يعرف أن الحزب الديمقراطي تغير في مواقفه وقواعده الشعبية، باتخاذ مسافة من سلوك نتنياهو. ولذلك فإن حكومة نتنياهو معنية بعودة ترامب إلى البيت الأبيض.

وعن دور اللوبي اليهودي في السياسة الأميركية، لفت بشارة الانتباه إلى أنّ مجموعة "أيباك" فاعلة في الكونغرس، حيث تكمن قوتها في التشبيك في جمع التبرعات للنواب في ولاياتهم. لكن هذا اللوبي غير مؤثر بشكل كبير في انتخابات الرئاسة، كما أنّ يهود أميركا من المعسكر الثقافي الذهني المضاد لترامب بسبب تحالفه من الإنجيليين، وموقفه من المرأة والإجهاض.

وفسر بشارة التقارب بين نتنياهو وترامب بأنّ الإسرائيليين يريدونه أن يدعم ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل. وهذا، على ما يبدو، أن ترامب قد وعدهم به تحت الطاولة.